عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الصلاة على النفساء وسنتها
  
              

          ░29▒ (ص) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ الصَّلاة على النفساء وبيانِ سنَّتها؛ أي: بيان سنَّة الصَّلاة عليها، قال ابن بَطَّالٍ: يحتمل أن يكون البُخَاريُّ قصدَ بهذه الترجمةِ أنَّ النفساء وإن كانت لا تُصلِّي أنَّ لها حكمَ غيرِها مِنَ النِّساء؛ أي: في طهارة العين؛ لصلاة النَّبِيِّ صلعم عليها، قال: وفيه ردٌّ على مَن زعمَ أنَّ ابنَ آدمَ ينجس بالموت؛ لأنَّ النُّفساء جمعتِ الموتَ وحملَ النجاسة بالدم الملازمِ لها، فلمَّا لم يضرَّها ذلك؛ كان الميِّت الذي لا يسيل منه نجاسةٌ أولى، وقال ابن المُنيِّر: ظنَّ الشارح _أراد به ابنَ بَطَّالٍ_ أنَّ مقصودَ الترجمة التنبيهُ على أنَّ النفساءَ طاهرةُ العين، لا نجسةٌ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم صلَّى عليها، وأوجب لها بصلاته حكمَ الطَّهارة، فيقاس المؤمنُ الطاهرُ مطلقًا عليها في أنَّهُ لا ينجس، وذلك كلُّه أجنبيٌّ عن مقصوده، والله أعلم، وإِنَّما قصد أنَّها وإن ورد أنَّها مِنَ الشهداء؛ فهي ممَّن يُصلَّى عليها؛ كغير الشهداء، وقال ابن رشيدٍ: أراد البُخَاريُّ أن يستدلَّ بلازمٍ مِن لوازمِ الصلاة؛ لأنَّ الصَّلاةَ اقتضت أنَّ المُستقبِلَ فيها ينبغي أن يكون محكومًا بطهارته، فلمَّا صلَّى عليها _أي: إليها_؛ لزم مِن ذلك القولُ بطهارة عينِها.
          قُلْت: كلُّ هذا لا يُجدِي، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبعَ، والصَّوابُ مِنَ القول في هذا: أنَّ هذا البابَ لا دخلَ له في (كتاب الحيض)، ومورده في (كتاب الجنائز)، ومع هذا ليسَ له مناسبةٌ أصلًا بالباب الذي قبله، ورعاية المناسبة بين الأبواب مطلوبةٌ.
          وقول ابن بَطَّالٍ: (إنَّ حكمَ النُّفساء مثلُ حكم غيرِها مِنَ النِّساء في طهارة العين لصلاة النَّبِيِّ صلعم عليها) مُسَلَّم، ولكنَّه لا يلائم حديثَ الباب؛ فإنَّ حديثَ الباب في أنَّ النَّبِيَّ صلعم صلَّى على النفساء، وقام وسطها، وليسَ لهذا دخلٌ في (كتاب الحيض).
          وقول [ابنِ المُنَيِّر أبعدُ مِن هذا؛ لأنَّ مَظِنَّةَ ما ذكره في (باب الشهيد)، وليس له دخل في (كتاب الحيض).
          وقول]
ابن رشيدٍ أبعدُ مِنَ الكلِّ؛ لأنَّه ارتكب أمورًا غيرَ مُوجَّهة؛ الأَوَّل: أنَّهُ شرط أن يكون المُستقبِلُ في الصلاة طاهرًا، وهذا فرضٌ أو واجبٌ أو سنَّة أو مُستحبٌّ؟ والثَّاني: ارتكب مجازًا مِن غير داعٍ إلى ذلك، والثَّالث: ادَّعى الملازمةَ؛ وهي غير صحيحةٍ، على ما لا يخفى على المُتأمِّل.