عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الحائض لا تقضي الصلاة
  
              

          ░20▒ (ص) بَابٌ: الحَائِضُ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه: الحائضُ لا تقضي الصَّلاة، وإِنَّما قال: (لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ)، ولم يقل: تدع الصَّلاة _كما في حديث جابرٍ وأبي سعيد_؛ لأنَّ عدمَ القضاء أعمُّ وأشملُ.
          والمناسبةُ بين البابَينِ مِن حيثُ إنَّ في الباب الأَوَّل تركَ الصلَّاة عند إقبالِ الحيض، وهذا الباب فيه كذلك.
          (ص) وَقَالَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو سَعِيدٍ ♥ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «تَدَعُ الصَّلَاةَ».
          (ش) مطابقةُ هذا الحديث للتَّرجمة مِن حيثُ إنَّ تركَ الصَّلاةِ يستلزمُ عدمَ القضاء؛ لأنَّ الشارعَ أمرَ بالتَّرْكِ، ومتروكُ الشَّرعِ لا يجبُ فعلُه، فلا يجبُ قضاؤُه إذا تُرِكَ.
          أَمَّا التعليق عن جابرٍ؛ فقد أخرجه البُخَاريُّ في (كتاب الأحكام) من طريق حبيبٍ عن جابر [في قصَّة حيضِ عائشةَ في الحجِّ، وفيه: «غير أنَّها لا تطوفُ ولا تُصلِّي»، ومعنى قوله: (ولا تصلِّي) : تدع الصلاة، ورواه مسلمٌ نحوَه مِن طريق أبي الزُّبَير عن جابرٍ] ☺ .
          وأَمَّا التعليق عن أبي سعيد الخُدْريِّ؛ فأخرجه في (باب ترك الحائض الصومَ)، وفيه: «إذا حاضت؛ لم تصم».
          وقال الكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: عقد الباب في القضاء، لا في الترك، قُلْت: التَّركُ مُطلقٌ أداءً وقضاءً.
          قُلْت: عقدَ الباب في عدم القضاء، وعدمُ القضاءِ تركٌ، والترك أعمُّ.
          وقال بعضهم: والذي يظهر لي أنَّ [المُصنِّف أراد أن يستدلَّ على الترك أوَّلًا بالتَّعليق المذكور، وعلى عدم القضاء بحديث عائشة، فجعل المعلَّق كالمقدِّمة للموصول الذي هو مطابقٌ للترجمة].
          [قلتُ: الذي يظهر لي أنَّ هذا كلامٌ صادرٌ مِن غير تأمُّل؛ لأنَّ التَّركَ وعدمَ القضاء] بمعنًى واحدٍ في الحقيقة، وكلامُه يُشعِر بالتَّغاير بينهما، فإذا سلَّمنا ذلك؛ كان يتعيَّن عليه أن يشيرَ إليهما في الترجمة، وحيث لم يُشِرْ إلى ذلك فيها؛ علمنا أنَّ ما بينهما مغايرةٌ؛ فلذلك اقتصر في الترجمة على أحدِهما.