عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
  
              

          ░7▒ (ص) بَابٌ: تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ.
          (ش) (بابٌ) منوَّن؛ لأنَّه مقطوعٌ عمَّا بعدَه؛ أي: هذا بابٌ فيه بيانُ أنَّ المرأةَ إذا حاضت بعد الإحرام؛ تقضي؛ أي: تؤدِّي جميعَ المناسكِ كلِّها، إلَّا أنَّها لا تطوف بالبيت، و(المنَاسِكُ) جمع (مَنْسك) بفتح السين وكسرها؛ وهو التَّعبُّد، ويقع على المصدر والزَّمان والمكان، وسُمِّيت أمورُ الحجِّ كلُّها مناسكَ الحجِّ، وسُئِلَ ثعلبٌ عن «المناسك»: ما هو؟ فقال: هو مأخوذٌ مِنَ النَّسيكة؛ وهي سبيكة الفضَّة المُصفَّاة؛ كأنَّه صفَّى نفسَه لله، وفي «المطالع»: «المناسك»: مواضعُ مُتعبَّدات الحجِّ، و«المَنسَك» المذبحُ أيضًا، وقد نسَك ينسُك نَسْكًا؛ إذا ذبح، و«النَّسيكة» الذبيحة، وجمعها: نُسُكٌ، و«النُّسُك» أيضًا: الطَّاعة والعبادة، وكلُّ ما تقرَّب به إلى الله تعالى، و«النُّسُك»: ما أمرت به الشَّريعة، و«الورَعُ»: ما نَهَتْ عنه، و«النَّاسك»: العابد، وجمعه: النُّسَّاكُ.
          والمناسبة بين البابَين ظاهرةٌ؛ لأنَّ في الأَوَّل تركَ الحائضِ الصومَ؛ وهو فرض، وفي هذا تركها الطوافَ الذي هو ركنٌ، وهو أيضًا فرضٌ، وبقيَّة الطواف _كالرَّكعتين بعدَه أيضًا_ لا تُعمَلُ إلَّا بالطهارة، وهل هي شرطٌ في الطواف أم لا؟ فيه خلافٌ مشهورٌ.
          (ص) وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآيَةَ.
          (ش) وجهُ تطابُق هذا الأثرِ للترجمة والآثار التي بعده مِن حيث إنَّ الحيضَ لا ينافي كلَّ عبادة، بل صحَّت معه عباداتٌ بدنيَّةٌ مِن أذكار؛ نحو: التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل ونحو ذلك، وقراءة ما دون الآية عند جماعةٍ، والآية عند إبراهيم، ومناسك الحجِّ كذلك مِن جملة ما لا يُنافيه الحيضُ إلَّا الطواف، فَإِنَّهُ مستثنًى مِن ذلك، [وكذلك الآية وما فوقَها يُستثنى مِن ذلك]، فمِن هذا الوجه طابقَ هذا الأثرُ للتَّرجمة، وكذلك الآثار التي تأتي، وحكم الجُنُبِ كحكم الحائض، فيما ذكرنا، وإذا وُجِدَ التَّطابقُ بأدنى شيء؛ يُكتَفى به، والتطويل فيه يَؤُولُ إلى التَّعسُّف.
          قوله: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هو إبراهيمُ النَّخَعِيُّ.
          قوله: (لَا بَأْسَ) أي: لا حرجَ (أَنْ تَقْرَأَ) أي: الحائضُ (الآيةَ) مِنَ القرآن، وقد وصله الدَّارِميُّ بلفظ: «أربعةٌ لا يقرؤون القرآن: الجُنُبُ، والحائضُ، وعند الخلاء، وفي الحمَّام إلَّا آيةً»، وعن إبراهيمَ: فيه أقوالٌ:
          في قولٍ: يستفتح رأسَ الآية ولا يتمُّها، وهو قول عطاءٍ وسعيدِ / بن جبير؛ لِما روى ابن أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أبو خالدٍ الأحمرُ عن حَجَّاجٍ عن عطاءٍ، وعن حمَّادٍ عن إبراهيمَ وسعيدِ بن جبير في الحائض والجُنُب: يستفتحون رأسَ الآية ولا يتمُّون آخرَها.
          وفي قولٍ: تُكرَه قراءةُ القرآن للجُنُب، وروى ابن أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وكيعٌ عن شعبةَ عن حمَّادٍ: أنَّ سعيدَ بنَ المُسَيّبِ قال: يقرأ الجُنُبُ القرآنَ، قال: فذكرته لإبراهيمَ فكرهه.
          وفي قولٍ: يقرأ ما دون الآيةِ، ولا يقرأ آيةً تامَّةً، [وروى ابن أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وكيعٌ عن مغيرةَ عن إبراهيمَ قال: يقرأ ما دون الآية، ولا يقرأ آيةً تامَّةً].
          وفي قولٍ: يقرأ القرآنَ ما لم يكن جُنُبًا، وحدَّثنا وكيعٌ عن شعبةَ، عن حمَّادٍ، عن إبراهيم، عن عمرَ قال: لا تقرأ الحائضُ القرآنَ.
          (ص) وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا.
          (ش) هذا الأثرُ وصله ابنُ المنذِرِ بلفظ: (أنَّ ابنَ عَبَّاس كان يقرأ وردَه وهو جُنُبٌ)، وقال ابن أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفيُّ عن خالدٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاس: أنَّهُ كان لا يرى بأسًا أن يقرأَ الجُنُبُ الآيةَ والآيتين، وكان أحمدُ يُرخِّص للجُنُبِ أن يقرأَ الآيةَ ونحوها، وبه قال مالكٌ، وقد حُكي عنه أنَّهُ قال: تقرأُ الحائضُ ولا يقرأ الجُنُبُ؛ لأنَّ الحائضَ إذا لم تقرأ؛ نسيتِ القرآنَ؛ لأنَّ أيَّام الحيضِ تتطاوَلُ، ومدَّة الجنابة لا تطول.
          (ص) وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
          (ش) هذا حديثٌ أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» مِن حديث عائشة ♦، ويروى <على كلِّ أحواله>، وأراد البُخَاريُّ بإيرادِ هذا وبما ذكره في هذا الباب الاستدلالَ على جواز قراءة الجُنُبِ والحائض؛ لأنَّ الذِّكرَ أعمُّ مِن أن يكون بالقرآن أو بغيره، وبه قال الطَّبَريُّ وابن المُنذِرِ وداود.
          (ص) وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ.
          (ش) هذا التعليقُ وصله البُخَاريُّ في (أبواب العيدين) في (باب التكبير أيَّام منًى، وإذا غدا إلى عرفة) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن حفصٍ قال: حَدَّثَنَا أبي عن عاصمٍ، عن حفصةَ، عن أمِّ عطيَّةَ ♦ قالت: (كنَّا نُؤمَر أن نخرج يوم العيد، حَتَّى تخرج البِكْرُ مِن خِدرها، حتَّى تخرُج الحيَّض، فيكنَّ خلفَ النَّاس فيُكبِّرنَّ بتكبيرهم، ويدعونَ بدعائهم يرجُون بركة ذلك اليوم وطهرته)، ورواه أيضًا في (باب خروج النساء الحيَّض إلى المُصلَّى)، على ما يأتي بيانُه إن شاء الله تعالى.
          وجهُ الاستدلال به ما ذكرنَاه مِن أنَّهُ لا فرقَ بين الذِّكر والتِّلاوة؛ لأنَّ الذِّكرَ أعمُّ، وقال بعضُهم: «ويَدْعُون» كذا لأكثر الرواة، وللكُشْميهَنيِّ: <ويَدْعِينَ> بياءٍ تحتانيَّة بدل الواو.
          قُلْت: هذا الذي ذكره مخالفٌ لقواعد التَّصريف؛ لأنَّ هذه الصيغةَ معتلَّ اللَّام مِن ذواتِ الواو، ويستوي فيها لفظُ جماعةِ الذكور والإناث في الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التَّقدير مختلفٌ؛ فوزن الجمع المُذكَّر (يفعون)، ووزن الجمع المُؤنَّث (يفعلْنَ)، وسيأتي مزيدُ الكلام في موضعه، إن شاء الله تعالى.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ: أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلعم فَقَرَأَ؛ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ، و{يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآيَةَ[آل عِمْرَان:64]».
          (ش) هذا قطعةٌ مِن حديث أبي سفيانَ في قصَّة هرقلَ، وقد وصله البُخَاريُّ في (بدء الوحي) وغيره، وقال: حَدَّثَنَا أبو اليمان الحكمَ بنَ نافع قالَ: أخبرنا شُعَيْبٌ عن الزُّهْريِّ قال: أخبرني عُبيد الله بنُ عبد الله بن عُتْبَةُ بن مسعودٍ عن عبد الله بن عَبَّاس أخبره: أنَّ أبا سفيانَ بنَ حَرْبٍ أخبره: أنَّ هرقل أرسل إليه في رَكْبٍ مِن قريشٍ... إلى أن قال: ثُمَّ دعا بكتاب رسول الله صلعم الذي بعث به مع دِحْيةَ الكلبيِّ إلى عظيمِ بصرى، فدفعه إلى هرقلَ، فقرأه؛ فإذا فيه: بسم الله الرَّحْمَن الرحيم، مِن مُحَمَّدٍ عبدِ الله ورسولِه إلى هرقلَ عظيمِ الرُّومِ، سلامٌ على مَنِ اتَّبعَ الهدى، أَمَّا بعدُ؛ فإنِّي أدعوك بدعاية الإسلام، أَسلِمْ؛ تَسْلَمْ، يُؤتِكَ اللهُ أجرَك / مَرَّتينِ، فإن تولَّيت؛ فعليك إثمُ الأريسيِّين، و{يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}...»؛ الحديث.
          وجهُ الاستدلال به: أنَّهُ صلعم كتب إلى الرُّوم وهم كفَّارٌ، والكافرُ جُنُبٌ، كأنَّه يقول: إذا جازَ مسُّ الكتاب للجُنُبِ مع كونه مشتمِلًا على آيتين؛ فكذا يجوز له قراءتُه، والحاصلُ: أنَّ رسولَ الله صلعم بعثَ للكفَّار القرآنَ مع أنَّهم غيرُ طاهرين، فجوَّز مسَّهُم وقراءتَهم له؛ فدلَّ على جواز القراءةِ للجُنُب.
          (ص) وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائِشَةُ ♦، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ، وَلَا تُصَلِّي.
          (ش) (عَطَاءٌ) هو ابن أبي رَبَاحٍ، و(جابرٌ) ابن عبد الله، الأنصاريُّ.
          وهذا قطعةٌ مِن حديث ذكره البُخَاريُّ موصولًا في (كتاب الأحكام) في (باب قول النَّبِيِّ صلعم : لو استقبلتُ مِن أمري ما استدبرتُ) : حَدَّثَنَا الحسنُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا يزيدُ عن حبيبٍ، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد الله قال: كنَّا مع رسول الله صلعم ، فلبَّينا بالحجِّ وقدمنا مكَّة... إلى أن قال: وكانت عائشةُ قدمت مكَّةَ وهي حائضٌ، فأمرها النَّبِيُّ صلعم أن تنسك المناسكَ كلَّها، غير أنَّها لا تطوفُ ولا تُصلِّي حَتَّى تطهرَ...؛ الحديث.
          قوله: (فَنَسَكَتْ) بفتح السين، والمعنى: أقامت بأمورِ الحجِّ كلِّها غيرَ الطوافِ بالبيت والصَّلاة، وقال صاحب «التلويح» _وتبعه صاحب «التوضيح»_: قوله: «ولا تصلِّي» يحتملُ أن يكون مِن كلامِ عطاء، ومِن كلام البُخَاريِّ، والله أعلم.
          (ص) وَقَالَ الحَكَمُ: إِنِّي لأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}[الأنعام:121].
          (ش) (الحَكَمُ) بفتح الحاء المُهْمَلة وفتح الكاف، ابن عُتَيْبةَ؛ بِضَمِّ العين المُهْمَلة، وفتح التاء المُثَنَّاة مِن فوقُ، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الباء المُوَحَّدة، الكوفيُّ، وقد مرَّ في (باب السَّمَر بالعلم).
          وهذا التَّعليق وصله البغويُّ في «الجعديَّات» مِن روايته عن عليِّ بن الجعد عن شعبةَ عنه.
          قوله: (إِنِّي لأَذْبَحُ) أي: إنِّي لَأذبحُ الذبيحةَ والحال أنِّي جُنُبٌ، ولكن لا بدَّ أن أذكر الله تعالى بحكمِ هذه الآية؛ وهي {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}[الأنعام:121]، وأراد بهذا أنَّ الذبح مُستلزمٌ شرعًا لذكر الله؛ بمقتضى هذه الآية، فدلَّ على أنَّ الجُنُبَ يجوز له التلاوة.
          واعلم أنَّ البُخَاريَّ ذكر في هذا الباب ستَّةً مِنَ الآثار إلى هنا، واستدلَّ بها على جواز قراءة الجُنُبِ القرآنَ، [وفي كلِّ ذلك مناقشةٌ، وردَّ عليه الجمهورُ بأحاديثَ وردت بمنع الجُنُبِ عن قراءة القرآن]:
          منها: حديثُ عليِّ ☺ ، أخرجه الأربعة، فقال أبو داود: حَدَّثَنَا حفص بن عُمَر قال: حدثَّنا شعبة عن عَمْرو بن مُرَّةَ عن عبد الله بن سلمةَ قال: دخلت على عليٍّ ☺ أنا ورجلان؛ رجلٌ منَّا، ورجلٌ مِن بني أسد أَحْسَبُ، فبعثهما عليٌّ وجهًا، وقال: إنَّكما عِلْجان، فعالِجا عن دينكما، ثُمَّ قام فدخل المخرج، ثُمَّ خرج فدعا بماءٍ، فأخذ منه حفنةً فتمسَّح بها، ثُمَّ جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: إنَّ رسول الله صلعم كان يجيءُ مِنَ الخلاء، فيقرِئُنَا القرآنَ، ويأكل معنا اللَّحم، ولم يكن يحجزُه عنِ القرآن شيءٌ ليس الجنابةَ».
          فَإِنْ قُلْتَ: ذكر البَزَّار أنَّهُ لا يروى عن عليٍّ إلَّا مِن حديثِ عَمْروِ بن مَرَّةً عن عبد الله بن سلمة، وحكى البُخَاريُّ: عن عَمْرِو بن مَرَّةً، كان عبد الله؛ يعني: ابنَ سلمة يحدِّثنا، فنعرف ونُنكِر، وكان قد كبر، لا يتابَع في حديثه، وذكر الشَّافِعِيُّ هذا الحديث، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه، وقال البَيْهَقيُّ: وإِنَّما توقَّف الشافعيُّ في ثبوت هذا الحديث؛ لأنَّ مداره على عبد الله بن سلمة الكوفيِّ، وكان قد كَبِرَ، وأُنكِر مِن حديثه وعَقلِه بعضُ النكرة، وإِنَّما روى هذا الحديث بعدما كَبِر، قاله شعبة، [وذكر الخَطَّابيُّ: أنَّ الإمامَ أحمدَ كان يُوهِّنُ حديث عليٍّ هذا، ويُضعِّف أمر عبد الله بن سلمة]، وذكره ابنُ الجوزيِّ في «الضعفاء والمتروكين»، وقال النَّسائيُّ: يُعرَف ويُنكَر.
          قُلْت: التِّرْمِذيُّ لمَّا أخرجه؛ قال: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وصحَّحه ابن حِبَّانَ أيضًا، وقال الحاكم في عبد الله بن سلمة: إنَّهُ غيرُ مطعونٍ فيه، وقال العِجْلِيُّ: تابعيٌّ ثقةٌ، وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّهُ / لا بأسَ به.
          قوله: (لا يحجزه) بالزاي المُعْجَمة؛ أي: لا يمنعه، ويروى بالرَّاء المُهْمَلة بمعناه، ويروى: <لا يحجبُهُ> بمعناه أيضًا.
          ومنها: حديثُ ابن عمر، أخرجه التِّرْمِذيُّ وابن ماجه عن إسماعيلَ بن عَيَّاشٍ، عن موسى بن عقبةَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمر قال: قال رسول الله صلعم : «لا تقرأ الحائضُ ولا الجُنُبُ شيئًا مِنَ القرآن»، وضُعِّف هذا الحديثُ بإسماعيلَ بن عَيَّاش، قال البَيْهَقيُّ: روايته عن أهل الحجاز ضعيفةٌ لا يُحتَجُّ بها، قاله أحمدُ ويحيى وغيرُهما مِنَ الحفاظ.
          ومنها: حديث جابر، رواه الدَّارَقُطْنيُّ في «سننه» من حديث مُحَمَّد بن الفضل، عن أبيه، عن طاوُوس عن جابرٍ مرفوعًا نحوَه، ورواه ابن عَدِيٍّ في «الكامل»، وأعلَّه بمُحَمَّد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن البُخَاريِّ والنَّسائيِّ وأحمدَ وابنِ مَعِينٍ.
          قُلْت: وربَّما يعضدان بحديث عليٍّ المذكور، ولم يصحَّ عند البُخَاريِّ في هذا الباب حديثٌ؛ فلذلك ذهب إلى جواز قراءة الجُنُبِ والحائض أيضًا، واستدلَّ على ذلك بما صحَّ عنده وعند غيره مِن حديث عائشة الذي رواه مسلمٌ الذي ذُكِر عن قَريبٍ، وقال الطَّبَريُّ في كتاب «التَّهذيب»: الصواب: أنَّ ما روي عنه صلعم مِن ذكر الله على كلِّ أحيانه، وأنَّه كان يقرأ ما لم يكن جُنُبًا أنَّ قراءتَه طاهرًا اختيارٌ منه لأفضلِ الحالتين، والحالة الأخرى أراد تعليم الأمَّة، وأنَّ ذلك جائزٌ لهم غيرُ محظور عليهم ذكر الله وقراءة القرآن.