عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره
  
              

          ░24▒ (ص) بابٌ: الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ.
          (ش) (بابٌ) بالتنوين؛ أي: هذا بابٌ فيه الجُنُب يخرج... إلى آخره؛ يعني: له أن يخرجَ مِن بيته ويمشي في السوق وغيره، وهذا قولُ أكثر الفقهاء، إلَّا أنَّ ابنَ أبي شَيْبَةَ حكى عن عليٍّ وعائشة وابن عمر وأبيه وشدَّاد بن أوس وسعيد بن المُسَيّبِ ومجاهدٍ وابن سِيرِين والزُّهْريِّ ومُحَمَّد بن عليٍّ والنخعيِّ _زاد البَيْهَقيُّ: سعد بن أبي وَقَّاص وعبد الله بن عَمْرٍو وابن عَبَّاس وعطاء والحسن_: أنَّهم كانوا إذا أجنبوا؛ لا يخرجون ولا يأكلون حَتَّى يتوضَّؤُوا.
          فَإِنْ قُلْتَ: لمَ كانَ (بابٌ) بالتنوين، ولمَ لا تُضِيفهُ إلى ما بعدَه؟
          قُلْتُ: يجوزُ ذلك، ولكن يحتاج حينئذٍ أن يُقدَّر الجوابُ نحوَ أن يقول: (له ذلك) أو (يجوز ذلك) ونحوُهما، وعند الانفصال لا يحتاج إلى ذلك.
          قوله: (وَيَمْشِي) بالواو: عطفٌ على قوله: (يَخْرُجُ)، وفي بعض النُّسَخ: <يخرجُ يمشي> بدون واو العطف، فإن صحَّت هذه؛ يكون (يمشي) في موضع النَّصب على الحال المُقدَّرَة.
          قوله: (وَغَيْرِهِ) بالجرِّ، عطفٌ على قوله: (في السُّوقِ)، وقال بعضهم: ويحتمل الرَّفع عطفًا على «يخرج» من جهة المعنى.
          قُلْت: أَخَذَهُ هذا القائلُ مِن كلام الكَرْمانِيِّ؛ فَإِنَّهُ قال: يحتمل رفعه بأن يُرادَ به نحوُ: يأكل وينام، عطفًا على (يخرج) من جهة المعنى، قُلْت: / فيه تعسُّف لا يخفى.
          والمناسبة بين البابين ظاهرةٌ؛ لأنَّ كلًّا منهما في حكم الجُنُبِ.
          (ص) وَقالَ عَطاءٌ: يَحْتَجِمُ الجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأ.
          (ش) مطابقةُ هذا الأثرِ للتَّرجمة في قوله: (وغيرُه) بالرَّفع ظاهرةٌ، وأَمَّا بالجرِّ الذي هو الأظهرُ؛ فلا تكون المطابقةُ إلَّا مِن جهة المعنى؛ وهو أنَّ الجُنُبَ إذا جاز له الخروجُ من بيته والمشيُ في السوق وغيرِه؛ جاز له كذلك الأفعالُ المذكورةُ في الأثر المذكور.
          وهذا التَّعليق وصله عبد الرَّزَّاق في «مُصنَّفه» عن ابن جريج عنه، وزاد فيه: (ويطَّلى بالنُّورة).