عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة
  
              

          ░7▒ (ص) بابُ المَضْمَضَةِ والاِسْتِنْشاقِ فِي الجَنابَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم المضمضة والاستنشاق في غُسْل الجنابة؛ هل هما واجبان أم سنَّتان؟ وقال بعضُهم: أشار ابن بَطَّالٍ وغيرُه إلى أنَّ البُخاريَّ استنبط عدمَ وجوبِهما من هذا الحديث؛ لأنَّ في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث: «ثُمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلاة»، فدلَّ على أنَّهما للوضوء، وقام الإجماع على أنَّ الوضوء في غُسْل الجنابة غيرُ واجب، والمضمضة والاستنشاق مِن توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء؛ سقطَ توابعُه، ويُحمَل ما روي في صفة غُسْلِه صلعم على الكمال والفضل.
          قُلْت: هذا الاستدلالُ غيرُ صحيح؛ لأنَّ هذا الحديثَ ليس له تعلُّق بالحديث الذي يأتي.
          وفيه: التَّصريحُ بالمضمضة والاستنشاق، ولا شكَّ أنَّ النَّبِيَّ صلعم لم يتركْهما، فدلَّ على المواظبة، وهي تدلُّ على الوجوب.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما الدليلُ على المواظبة؟ قُلْت: عدمُ النَّقل عنه بتركه إيَّاهما، وسقوط الوضوء القصديِّ لا يستلزم سقوطَ الوضوءِ الضِّمنيِّ، وعلى كلِّ حالٍ لم يُنقَلْ تركُهما، وأيضًا النَّصُّ يدلُّ على وجوبهما، كما ذكرنا فيما مضى.