عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ميراث الأسير
  
              

          ░25▒ (ص) بَابُ مِيرَاثِ الَاسِيرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم ميراث الأسير الذي في أيدي العدوِّ، واختُلِفَ فيه؛ فعن سعيد بن المُسَيَِّبِ: لا يورث الأسير، رواه أبو بَكْر ابن أبي شَيْبَةَ عنه، وفي روايةٍ عنه: يورث، وعن الزُّهْريِّ روايتان نحوه، وعنه: لا يجوز للأسير في ماله إلَّا الثلث، ونقل ابن بَطَّالٍ عن أكثر العلماء أنَّهم ذهبوا إلى أنَّ الأسير إذا وجب له ميراثٌ أنَّهُ يُوقَف له، / هذا قول مالكِ والكوفيِّين والشَّافِعِيِّ والجمهور، وذلك لأنَّ الأسير إذا كان مسلمًا فهو داخلٌ تحت عموم قوله: «مَن ترك مالًا فلورثته»، وهو مِن جملة المسلمين الذي يُجرَى عليهم أحكام المسلمين، ولا تتزوَّج امرأته، ولا يُقسَم ماله ما تحقَّقت حياته وعُلِمَ مكانه، فإذا انقطع خبره وجُهِل حاله؛ فهو مفقودٌ، يجري فيه أحكام المفقود.
          (ص) قَالَ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الَاسِيرَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ، وَهُوَ يَقُولُ: هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ.
          (ش) ليس في كثيرٍ مِنَ النُّسَخ لفظ: (قال) فعلى تقدير وجوده يكون فاعله البُخَاريُّ؛ أي: قال البُخَاريُّ: وكان شريح بن الحارث القاضي الكنديُّ الكوفيُّ... إلى آخره، ووصله ابن أبي شَيْبَةَ والدارميُّ مِن طريق داود بن أبي هند عن الشَّعبيِّ عن شُرَيحٍ... فذكره.
          (ص) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ☺ : أَجِزْ وَصِيَّةَ الَاسِيرِ، وَعَتَاقَهُ، وَمَا صَنَعَ فِي مَالِهِ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّما هُوَ مَالُهُ، [يَصْنَعُ فِيهِ] مَا يَشَاءُ.
          (ش) هذا أيضًا يوضِّح الإبهامَ الذي في الترجمة.
          قوله: (أَجِزْ) أمرٌ مِنَ الإجازة.
          قوله: (وَصِيَّةَ الَاسِيرِ) منصوبٌ به.
          قوله: (وَعِتَاقَهُ) عطفٌ عليه، ويُروى: <عتاقته>.
          قوله: (مَا يَشَاءُ) بصورة المضارع, وعند الكُشْميهَنيِّ: <ما شاء> بلفظ الماضي.
          ووصل هذا التعليقَ عبدُ الرَّزَّاق عن معمرٍ، عن إسحاق بن راشدٍ: أنَّ عمر كتب إليه: أَجِزْ وصيَّة الأسير.