عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تعليم الفرائض
  
              

          ░2▒ (ص) بَابُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان تعليم الفرائض، قيل: لا وجه لدخول هذا في هذا الباب، ورُدَّ بأنَّه حثَّ على تعليم العلم، ومِنَ العلم الفرائضُ، وقد ورد حديثٌ في الحثِّ على تعليم الفرائض، ولكن لم يكن على شرطه؛ فلذلك لم يذكره، وهو ما رواه أحمد والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ والحاكم وصحَّحه مِن حديث ابن مسعودٍ ☺ : «تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناس، فإنِّي امرؤ مقبوضٌ، وإنَّ العلم سيُقبَض حَتَّى يختلف الاثنان في الفريضة، ولا يجدان مَن يفصل بينهما».
          (ص) وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ ☺ : تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ؛ يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بالظَّنِّ.
          (ش) (عُقْبَةُ) بالقاف (ابْنُ عَامِرٍ) الجُهَنِيُّ، والي مصر مِن قِبَل معاوية، وُلِّيها سنة أربعٍ وأربعينٍ، ثُمَّ عزله بمسلمة بن مَخلَدٍ، وجمع له معاوية بين مِصر والمغرب، مات سنة اثنتين وستِّين بالمدينة، وقيل: بمِصر، وقال ابن يونس: تُوفِّي بإسكندريَّة، وكان عقبة ابتنى بمصر دارًا، قال أبو عمر: تُوفِّي في آخر خلافة معاوية، وقال الواقديُّ: ودُفِنَ في المقطَّم، وقال خليفة: تُوفِّي سنة ثمانٍ / وخمسين.
          قوله: (تَعَلَّمُوا) أي: العلم، حذف مفعوله ليشتمل كلَّ علمٍ، ويدخل فيه علم الفرائض أيضًا، وهذا وجه المناسبة، وبهذا يُرَدُّ كلام صاحب «التلويح» حيث يقول: وأَمَّا كلام عقبة والحديث الذي بعده فلا مناسبة فيهما لما ذكره.
          قُلْت: مَن له أدنى فهمٍ يقول بالمناسبة لما ذكرنا، على أنَّهُ يجوز أن يكون مراد عقبة مِن قوله: (تعلَّموا) أي: علم الفرائض، يريد به هذا العلم المخصوص لشدَّة الاهتمام به؛ لأنَّ الحديث الذي ذكرناه الآن يدلُّ على شدَّة الاعتناء بعلم الفرائض وبتعليمه وتعلُّمه، وكيف لا وَقَد جعله النَّبِيُّ صلعم نصفَ العلم في حديث أبي هُرَيْرَة؟ رواه ابن ماجه عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلعم قال: «تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناسَ، فَإِنَّهُ نصف العلم، وهو أَوَّل شيء يُنسَى مِن أمَّتي» وروى الحاكم مِن حديث عبد الله بن عَمْرٍو: أنَّ رسول الله صلعم قال: «العلم ثلاثةٌ, وما سوى ذلك فهو فضلٌ: آيةٌ محكمةٌ، أو سنَّةٌ قائمةٌ، أو فريضةٌ عادلةٌ».
          قوله: (قَبْلَ الظَّانِّينَ) فسَّره بقوله: (يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بالظَّنِّ) قال الكَرْمانيًّ: أي: قبل اندراس العلم والعلماء، وحدوث الذين لا يعلمون شيئًا، ويتكلَّمون بمقتضى ظنونهم الفاسدة.