عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: الولاء لمن أعتق
  
              

          ░19▒ (ص) باب الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه: الولاء لِمَن أعتق، وفي أكثر النُّسَخ: <باب إِنَّما الولاء لِمَن أعتق>.
          (الوَلَاء) بفتح الواو, مشتقٌّ مِنَ (الوَلَاية) بالفتح, وهو النصرة والمحبَّة؛ لأنَّ في ولاء العتاقة والموالاة تناصُرًا ومحبَّةً, أو مِنَ (الوَلي) وهو القرب، وهي قرابة حُكميَّة حاصلة مِنَ العتق، أو مِنَ (الموالاة) وهي المتابعة؛ لأنَّ في ولاء العتاقة إرثًا يوالي وجودَ الشرط، وكذا في ولاء الموالاة، وفي الشرع: هو عبارة عَنِ التناصر بولاء العتاقة، أو بولاء الموالاة، ومِن آثارهِ الإرثُ والعقل.
          قوله: (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) لفظُ الحديث أخرجه الأئِمَّة الستَّة عن عائشة عنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ص) ومِيراثُ اللَّقِيطِ.
          (ش) هو بالرفع عطفٌ على ما قبله، ويجوز بالجرِّ على تقدير أن يقال: وفي ميراث اللَّقيط، ولكنَّه لم يذكر شيئًا فيه, وقال الكَرْمانيُّ: لأنَّه لم يتَّفق له حديثٌ على شرطه، وأراد به أنَّهُ ذكر هذه اللفظة وبيَّض لها حَتَّى يذكرها فيه، فلم يجد شيئًا، واستمرَّ مِنَ الترجمة، والظاهر أنَّهُ اكتفى بأثر عمر ☺ ، فإنَّ فيه بيانَ حكمه؛ كما نقول الآن.
          (ص) وقال عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ.
          (ش) أي: قال عُمَر بن الخَطَّاب: اللقيط حرٌّ، فإذا كان حرًّا يكون ولاؤه في بيت المال؛ لأنَّ ولاءه يكون لجميع المسلمين، وإليه ذهب مالكٌ والثَّوْريُّ والأوزاعيُّ والشَّافِعِيُّ وأحمد وأبو ثور، وقال شُرَيح: إنَّ ولاءه لملتقطه، وبه قال إسحاق ابن راهُوْيَه، واحتجَّ بحديث سُنَيْن أبي جميلة عَن عمر: أنَّهُ قال له في المنبوذ: اذهب فهو حرٌّ، ولك ولاؤه، وقال ابن المنذر: أبو جميلة مجهول، لا يُعرَف له خبرٌ غير هذا الحديث، وحَمَل قول عمر: (لك ولاؤه) أي: أنتَ الذي تتولَّى تربيته والقيام بأمره، وهذه ولاية الإسلام، لا ولاية العتق, وقال عطاء وابن شهابٍ: إنَّهُ حرٌّ، فإن أحبَّ أن يواليَ الذي التقطه فيواليه، وإن أحبَّ أن يواليَ غيره فيواليه, وقال أبو حنيفة: له أن ينقل بولائه حيث شاء، فإن عقل عنه الذي والاه جنايةً؛ لم يكن له أن ينقل ولاءه عنه ويرثه.
          قُلْت: (سُنَيْنٌ) بِضَمِّ السين المُهْمَلة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون, قال أبو عمر: سُنَين أبو جميلة الضَّمريُّ , ويقال: السلميُّ، روى عنه ابن شهابٍ, قال عنه مَعْمَر: حدَّثني أبو جميلة، وزعم أنَّهُ أدرك النَّبِيَّ صلعم , وقال الزبيديُّ عن الزُّهْريِّ: أدركتُ ثلاثة مِن أصحاب النَّبِيِّ صلعم : أنس بن مالك، وسهل بن سعدٍ، وأبا جميلة سنين، وقال مالكٌ عن ابن شهابٍ: أخبرني سُنَين أبو جميلة أنَّهُ أدرك النَّبِيَّ صلعم عام الفتح, وقال الذهبيُّ: أبو جميلة سُنَين السلميُّ أدرك النَّبِيَّ صلعم ، وخرج معه عام الفتح، حديثه في «التِّرْمِذيِّ» روى عنه الزُّهْريُّ.