عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: فترة بين عيسى ومحمد ست مئة سنة
  
              

          3948- (ص) حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّد ♂ سِتُّ مِئَةِ سَنَةٍ.
          (ش) هذا لا تعلُّق له بالترجمة، وكذلك الذي قبله، وإِنَّما ذكرهما اتِّفاقًا؛ لكونهما يتعلَّقان به، وقال الكَرْمَانِيُّ: تعلُّق هذه الأحاديث بإسلامه؛ بمعنى: أنَّهُ أسلم بعد تداول بضعةَ عَشَر ربًّا، وبعد هجرته عن وطنه، وبعد عيشِه مدَّةً طويلةً.
          و(الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ) بلفظ اسم الفاعل مِنَ الإدراك، مرَّ في آخِرِ (الحيض)، و(أبُو عَوَانَة) الوضَّاح اليَشْكُريُّ، وقد مرَّ غير مَرَّة.
          والمراد بـ(الفترة) المدَّة التي لا يُبعَث فيها رسولٌ مِنَ الله تعالى، ولا يمتنع أن يكون فيها نبيٌّ يدعو إلى شريعة الرسول الأخير.
          قُلْت: مِنَ الأنبياء في الفترة: حَنْظلة بن صَفْوان، نبيُّ أصحاب الرَّسِّ، قال ابن عَبَّاس: كان مِن ولد إسماعيلَ ◙ ، وكان في الفترة.
          ومنهم: خالد بن سنان العَبْسِيُّ، وروى الطبرانيُّ بإسناده عن ابن عَبَّاس قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النَّبِيِّ صلعم ، فبسط لها ثوبه، وقال: بنت نبيٍّ ضيَّعه قومُه، وعن عطاءٍ عن ابن عَبَّاس: لمَّا ظهر رسول الله صلعم بِمَكَّةَ؛ وفدت عليه ابنة خالد بن سنان، وهي عجوز كبيرة، فرحَّب بها وقال: «مرحبًا بابنة أخي، كان أبوها نبيًّا، وإِنَّما ضيَّعه قومه».
          ومنهم: شُعَيْب بن ذي مهزم، غير شُعَيْب بن ضيعون، ذكر السُّهيليُّ: أنَّهُ نبيٌّ مِنَ العرب في زمن مَعَدِّ بن عدنان.
          وقال ابن كثير: والظاهر أنَّ هؤلاء كانوا قومًا صالحين يدعون إلى الخير، فقد ثبتَ في «الصحيح» عن رسول الله صلعم أنَّهُ قال: «إنَّ أَولى الناس بعيسى ابن مريم ♂ لَأنَا، إنَّه ليس بيني وبينه نبيٌّ»، قيل: يحتمل أن يكون مرادَه نبيٌّ مرسَل، ولا يمتنع أن يكون نبيٌّ غير مرسَلٍ يدعو الناس إلى شريعة الرسول الأخير، كما ذكرناه.