عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة
  
              

          ░45▒ (ص) بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلعم وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان هجرةِ النَّبِيِّ صلعم وهجرةِ أصحابِهِ إلى المدينة، أَمَّا هجرةُ النَّبِيِّ صلعم ؛ فكانت أَوَّلَ يومٍ مِن ربيع الأَوَّل بعدَ بيعةِ العقبةِ بشهرَين وبضعةَ عشرَ يومًا، وجزَمَ به الأمويُّ في (المغازي) عن ابنِ إسحاقَ، وقدِمَ المدينةَ لاثنتي عشرةَ خَلَتْ مِن ربيع الأَوَّل، وأَمَّا هجرةُ أصحابِهِ؛ فكان أبو بكرٍ قد توجَّه معَه وعامرُ بنُ فهيرةَ، وتوجَّه قبل ذلك بينَ العقبتَين جماعةٌ؛ منهم ابنُ أمِّ مكتومٍ، ويقال: إنَّ أَوَّلَ مَن هاجرَ إلى المدينة أبو سَلَمَةَ بنِ عبدِ الأسدِ المَخْزُومِيُّ زوجُ أمِّ سلمةَ، وقدِمَ بعدَه عامرُ بنُ ربيعةَ حليفُ بني عَدِيٍّ، ثُمَّ توجَّه مصعبُ بنُ عُمَيْرٍ، ثُمَّ كان أَوَّلَ مَن هاجرَ بعدَ بيعةِ العقبةِ عامرُ بنُ ربيعةَ، على ما ذكره ابنُ إسحاقَ، ثُمَّ توجَّهَ باقي أصحابه شيئًا فشيئًا، وعن شعبةَ عَن أبي إسحاقَ: سمعتُ البراءَ بنَ عازبٍ قال: أَوَّلُ ما قدِمَ مصعبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ أمِّ مكتومٍ، وَكانا يُقرِّئانِ النَّاسَ، وقدِمَ بلالٌ وسعدٌ وعمَّارُ بنُ ياسرِ، ثُمَّ قدِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ☺ في عشرين مِن أصحابِهِ، ثُمَّ قدِمَ رسولُ الله صلعم ، على ما يأتي بيانه إن شاءَ الله تعالى، وفي «مسلم»: التصريحُ بأنَّ سعدَ بنَ أبي وَقَّاصٍ ☺ هاجرَ قبلَ قدومِ النَّبِيِّ صلعم المدينةَ.
          (ص) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ☻ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «لَوْلَا الْهِجْرَةُ؛ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ».
          (ش) تعليقُ عَبْدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عاصمِ بنِ كعبٍ، الأنصاريِّ البُخَاريِّ المازنيِّ، أخرجه البُخَاريُّ موصولًا مُطوَّلًا في (المغازي) في (باب غزوةِ الطَّائفِ)، وذكره أيضًا مُعلَّقًا في: (باب مناقبِ الأنصارِ)، وكذلك أخرجَ تعليقَ أبي هُرَيْرَة فيه في (بابِ قولِ النَّبِيِّ صلعم : «لولا الهجرةُ؛ لكنتُ مِنَ الأنصارِ»).
          (ص) وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أنَّها الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ؛ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ».
          (ش) (أَبُو مُوسَى) عبدُ اللهِ بنُ قيسٍ، ومضى تعليقُه في (باب علاماتِ النُّبوَّة) مُطوَّلًا، ومضى الكلامُ فيه هناك.
          قوله: (وَهَْلِي) بفتح الواوِ والهاءِ وسكونِها؛ أي: وهمِي.
          (والْيَمَامَةُ) مدينةٌ مِنَ اليمنِ على مرحلتَين مِنَ الطائفِ.
          (وهَجَرُ) بفتح الهاء والجيم، ويروى: <والهجر> بالألفِ واللَّام، قال الكَرْمَانِيُّ: «هجر» قريةٌ بقربِ المدينةِ.
          وقال بعضُهم: وزعَمَ بعضُ الشُّرَّاح أنَّ المرادَ بـ«هجر» هنا قريةٌ قريبةٌ مِنَ المدينةِ، وهو خطأ؛ فإنَّ الذي يناسِبُ أن يُهاجَرَ إليه لا بدَّ وأن يكونَ بلدًا كبيرًا كثيرَ الأهلِ، وهذه القريةُ التي ذكرَها لا يعرِفُها أحدٌ.
          قُلْت: أرادَ به الحطَّ على الكَرْمَانِيّ؛ حيثُ نسبَهُ إلى الخطأ، والذي قاله غيرُ خطأ، فهذا ياقوتُ ذكره في «المشترك»: وكيفَ يقولُ: لا يعرفها أَحَدٌ؟
          وقوله: (لا بدَّ...) إلى آخره: غيرُ مُسَلَّمٍ، فمَن هو الذي شَرَطَ هذا مِنَ العلماء؟ ولا ينزل صلعم في موضع إلَّا ويكثرُ أهلُهُ ويعظمُ شأنُهُ.
          (ويَثْرِبُ) اسمُ مدينةِ النَّبِيِّ صلعم ، وهو غيرُ مُنْصَرِفٍ.