عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبناؤه بها
  
              

          ░44▒ (ص) بَابٌ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلعم عَائِشَةَ، وَقُدُومُهَا الْمَدِينَةَ، وَبِنَاؤُهُ بِهَا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ تزويجِ النَّبِيِّ صلعم عائشةَ ♦، وكان ينبغي أن يقولَ: <بابُ تزوُّجِ النَّبِيِّ صلعم ...>، ووقعَ هكذا في بعضِ النُّسَخ.
          وقال الكَرْمَانِيُّ: «تزويجٌ» بمعنى «التفعُّل»؛ نحوُ: «التَّقديم» بمعنى «التقدُّم»، أو المرادُ: تزويجُهُ لنفسِه إيَّاها، وهو مضافٌ إلى المفعولِ الأَوَّلِ.
          قُلْت: هذا موضعُ التَّأمُّلِ، والصَّوابُ هو الذي وقعَ في بعضِ النُّسَخِ: <بابُ تزوُّجِ النَّبِيِّ صلعم ...>، ووقع في روايةِ أبي ذرٍّ: <تزويج النَّبِيِّ صلعم > بدونِ لفظةِ (باب) أي: هذا بيانُ تزويجِ النَّبِيِّ صلعم .
          قوله: (وَقُدُومُهَا) أي: وفي بيانِ قدومِ عائشةَ المدينةَ، وكانَ قدومُ عائشةَ معَ أمِّها وأختها أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ ☺ إلى المدينة بعدَ أبي بكرٍ؛ لأنَّ أبا بكرٍ هاجرَ معَ النَّبِيِّ صلعم ، وبعدَ أنِ استقرَّ رِكابُ النَّبِيِّ صلعم وأبي بكر بالمدينةِ بعدَ الهجرةِ؛ بعثا زيدَ بنَ حارثة وأبا رافعٍ مولَيَيْ رسولِ الله صلعم ؛ ليأتيا بأهاليهِم مِن مكَّةَ، وبعثَا مَعَهُما بجملَينِ وخمسِ مئةِ درهمٍ؛ ليشتريا بها إبلًا مِن قديد، فذهبا فجاءا ببنتَي النَّبِيِّ صلعم فاطمةَ وأمِّ كلثوم، وزوجتَيه سودةَ وعائشةَ وأمِّها أمِّ رُومانَ، فقدِمْنَ ونزَلْنَ بالسُّنْحِ، ثُمَّ دخلَ رسولُ اللهِ صلعم بعائشةَ بالسُّنْحِ في منزل أبي بكر، وكان بعد / الهجرة بسبعةِ أشهرٍ أو ثمانية أشهرٍ، واختلفوا في سِنِّها يومئذٍ؛ فقال الواقديُّ: كانت بنتَ ستِّ سنين، وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ: بنتَ سبع سنين، والأصحُّ أنَّها كانت بنتَ تسعِ سنين؛ لأنَّه تزوَّجها قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنين، وتُوُفِّي رسولُ الله صلعم وهي بنتُ ثماني عشرةَ سنةً، واختلفوا في أيِّ شهر دخلَ بها؟ فذكرَ البلاذريُّ أنَّهُ في رمضانَ، وعَنِ ابنِ إسحاقَ والطَّبَريِّ: في ذي القعدة بعدَ مَقْدَمِهِ المدينةَ بثمانيةِ أشهرٍ، والأصحُّ أنَّهُ في شوَّالَ؛ لما روى مسلمٌ وأحمدُ والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه عَن عائشةَ قالت: (تزوَّجني رسولُ اللهِ صلعم في شوَّالَ، وبنى بي في شوَّالَ...) ؛ الحديث.
          قوله: (وَبِنَاؤُهُ بِهَا) أي: وفي بيانِ بناءِ النَّبِيِّ صلعم بعائشةَ، وقدِ اعتُرِضَ على البُخَاريِّ بأنَّ الجَوْهَريَّ قال: العامَّةُ تقول: بنى بأهلِه، وهو خَطَأٌ، وإِنَّما يُقال: بنى على أهلِه، ورُدَّ على المعتَرِضِ بأنَّ الفُصحاءَ اسْتَعْمَلُوا بالباءِ، والدليلُ عليه قولُ عائشةَ: (بنى بي في شوَّالَ)، وسيأتي قولُ عروةَ في آخر الحديث الثَّالث: (وبنى بها)، والأصلُ في هذا: أنَّ الدَّاخِلَ على أهلِه يُضرَبُ عليه قُبَّةٌ ليلةَ الدُّخولِ، ثُمَّ قيل لكلِّ داخلٍ بأهله: بانٍ.