عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب بنيان الكعبة
  
              

          ░25▒ (ص) بَابُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ بنيانِ الكعبةِ على يد قريشٍ في حياة النَّبِيِّ صلعم قبل بعثته، وذكر ابنُ إسحاقَ وغيرُهُ أنَّ قريشًا لمَّا بنتِ الكعبةَ؛ كانَ عمرُ النَّبِيِّ صلعم خمسًا وعشرين سنةً، وروى إسحاقُ ابنُ راهُوْيَه مِن طريق خالدِ بن عرعرة عن عليٍّ ☺ في قصة بناء إبراهيمَ ◙ البيتَ، قال: فمَرَّ عليه الدَّهرُ فانهدمَ، فبنته العمالقةُ، فمرَّ عليه الدَّهرُ فانهدم، فبنته جرهمُ، فمرَّ عليه الدَّهرُ فانهدم، فبنته قريشٌ ورسولُ الله صلعم يومئذٍ شابٌّ، فلمَّا أرادوا أن يضعوا الحجرَ الأسودَ؛ اختصموا فيه، فقالوا: الحَكَمُ بيننا أَوَّلُ مَن يخرج مِن هذه السكَّة، فكان النَّبِيُّ صلعم أَوَّلَ مَن خَرَجَ منها، فحَكَمَ بينهم أن يجعلوه في ثوبٍ، ثُمَّ يرفعَه مِن كلِّ قبيلةٍ رجلٌ، وذكر أبو داودَ الطَّيَالِسِيُّ في الحديث أنَّهم قالوا: (نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَن يدخلُ مِن باب بني شَيْبَةَ، فكان النَّبِيُّ صلعم أَوَّلَ مَن دخل منه، فأخبروه، فأمر بثوبٍ فوضعَ الحجرَ في وسطه، وأمر كلَّ فَخِذٍ أن يأخذوا بطائفةٍ مِنَ الثوب فرفعوه، ثُمَّ أخذَ فوضعه بيدِهِ، وذكر الفاكهيُّ: أنَّ الذي أشار عليهم أن يُحكِّموا أَوَّلَ داخلٍ أبو أميَّة بن المغيرة المَخْزُومِيُّ أخو الوليد.
          واختلفوا في أَوَّل مَن بنى الكعبةَ؛ فقيل: أَوَّلُ مَن بناها الملائكةُ؛ ليطوفوا؛ خوفًا مِنَ الله تعالى حين قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}؟ الآية[البقرة:30]، وقيل: أَوَّلُ مَن بناها آدمُ ◙ ، ذكره ابنُ إسحاقَ، وقيل: أَوَّل مَن بناها شيث ◙ ، وكان في عهد آدمَ بيت المعمور، فرُفِعَ، وقيل: رُفِعَ وقتَ الطوفان، وقيل: كانت تسعَة أذرعٍ مِن عهدِ إبراهيمَ ◙ ، ولم يكن لها سقفٌ، ولمَّا بنتها قريشٌ قبلَ الإسلام؛ زادوا فيها تسعةَ أذرعٍ، فكانت ثماني عَشَرةَ ذراعًا، ورفعوا بابَها مِنَ الأرض لا يُصعَد إليها إلَّا بدرج أو سُلَّمٍ، وذلك حين سرقَ دُوَيكٌ مولى بني مَلِيح مالَ الكعبة، وأَوَّلُ مَن عَمِلَ لها غلقًا تُبَّعٌ، ثُمَّ لمَّا بناها ابن الزُّبَير؛ زاد فيها تسعَة أذرعٍ أخرى، فكانت سبعًا وعشرين ذراعًا، وعلى ذلك هي إلى الآن.