عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث أنس: أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم
  
              

          3778- (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا ☺ يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ _وَأَعْطَى قُرَيْشًا_: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ؛ إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلعم ، فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: «مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟»، وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ: «أَوَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا؛ لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ».
          (ش) مطابقته للترجمة في قوله: (قَالَ: أَوَلَا تَرْضَوْنَ...) إلى آخره، فإنَّ فيه منقبةً عظيمةً لهم.
          و(أَبُو الْوَلِيدِ) هشامُ بنُ عبدِ الملك، و(أَبُو التَّيَّاحِ) بفتح التاء المُثَنَّاةِ مِن فوقُ، وتشديد الياء آخرَ الحروف، وفي آخره حاءٌ مُهْمَلةٌ، واسمُه يزيدُ بن حميدٍ، الضُّبَعيُّ البِصْريُّ.
          والحديث أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (المغازي) عن سليمانَ بنِ حَرْبٍ، وأخرجه مسلمٌ في (الزكاة) عن مُحَمَّد بن الوليد، وأخرجه النَّسائيُّ في (المناقب) عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ.
          قوله: (يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ) يعني: عامَ فتحِ مكَّة؛ لأنَّ الغنائمَ المُشارَ إليها كانت غنائمَ حُنَين، وكان ذلك بعدَ الفتحِ بشهرين.
          قوله: (وَأَعْطَى قُرَيْشًا) الواو فيه للحال.
          قوله: (وَاللهِ...) إلى قوله: (تُرَدُّ عَلَيْهِمْ) مقولُ الأنصارِ.
          قوله: (إِنَّ هَذَا) إشارةٌ إلى الإعطاء الذي دلَّ عليه قولُهُ: (وَأَعْطَى قُرَيشًا).
          قوله: (إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ) فيه مِن أنواع البديعِ القلبُ؛ نحو: (عرضتُ النَّاقةَ على الحوض)، والأصل: دماؤهم تقطرُ مِن سيوفِنَا، هكذا قالوا: ويجوز أن يكونَ على الأصل، ويكون المعنى: إنَّ سيوفَنا مِن كثرة ما أصابَها مِن دماء قريشٍ تقطرُ دماءَهُم.
          قوله: (وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ) يعني الأنصارَ.
          قوله: (هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ) يعني: الذي بلغك نحن قلناه ولا نُنكِرُ.
          قوله: (لَسَلَكْتُ) أراد بذلك حُسنَ موافقتِهِ إيَّاهم، وترجيحَهم في ذلك على غيرِهم؛ لما شاهد منهم؛ مِن حسن الجوارِ والوفاءِ بالعهدِ، لا متابعةً لهم؛ لأنَّه هو المتبوعُ المطاعُ المفترِضُ الطَّاعةَ والمتابَعةَ على كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ.
          قوله: (أَوْ شِعْبَهُمْ) بكسر الشين وسكون العين المُهْمَلة: وهو الطَّريق في الجبل، ويُجمَع على (شِعَابٍ)، وأَمَّا (الشَّعْبُ) بالفتح؛ فهو / مَا تشعَّب مِن قبائلِ العربِ والعجمِ، ويجمع على (شُعُوبٍ).