عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل
  
              

          ░24▒ (ص) بابُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حديثِ (زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) ابن عبد العزَّى بن رِيَاح بن عَبْد الله بن قُرط بن رَزَاح بن عَدِيِّ بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهْرٍ، العدويِّ، وهو والد سعيد بن زيد أحدِ العشرةِ المبشَّرةِ، وابن عمِّ عُمَر بن الخَطَّاب ☺ ؛ لأنَّ عمرَ هو ابن الخَطَّاب بن نُفَيل بن عبد العزَّى، وعمرٌو الذي هو والدُ زيدٍ أخو خطَّابٍ والدِ عُمَر بن الخَطَّاب، فيكون زيدٌ هذا ابنَ عمِّ عُمَرَ بنِ الخَطَّاب، وكان زيدٌ هذا ممَّن طلب التوحيد، وخلع الأوثان، وجَانَبَ الشِّرْكَ، ولكنَّه مات قبلَ مبعثِ النَّبِيِّ صلعم ، وقال سعيد بن المُسَيَِّبِ: مات وقريشٌ تبني الكعبةَ قبل نزول الوحي على رسول الله صلعم بخمس سنين، وعن زكريَّا السَّعدِيِّ: أنَّهُ لمَّا مات دُفِنَ بأصلِ حراء، وعند ابن إسحاقَ: أنَّهُ لمَّا توسَّط بلاد لخمٍ عَدَوا عليه فقتلوه، وعند الزُّبَير: بلغنا أنَّ زيدًا كان بالشام، فلمَّا بلغه خروج سيِّدنا رسول الله صلعم ؛ أقبل يريدُه، فقتله أهلُ ميفعةَ، وقال البكريُّ: وهي قريةٌ مِن أرض البلقاء بالشام، ويقال: كان زيدٌ سكن حِراء، وكان يدخل مكَّةَ سرًّا، ثُمَّ سار إلى الشام يسأل عَنِ الدِّين، فسمَّتْهُ النَّصارَى، فمات.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما حكمُهُ مِن جهة الدين؟ قُلْت: ذكره الذَّهبيُّ في «تجريد الصحابة»، وقال: قال النَّبِيُّ صلعم : «يُبعَثُ أمَّةً وحدَه»، وعن جابر ☺ قال: سُئِلَ رسولُ الله صلعم عن زيد بن عَمْرو بن نُفَيلٍ؛ أنَّهُ كان يستقبلُ القِبلةَ في الجاهليَّة، ويقول: إلهِي إلهُ إبراهيمَ، وديني دينُ إبراهيم، ويسجد، فقال رسولُ الله صلعم : «يُحشَر ذاك أمَّةً وحدَهُ، بيني وبين عيسى ابنِ مريمَ، ♂ »، رواه ابن أبي شَيْبَةَ، وروى مُحَمَّد بن سعدٍ مِن حديث عامر بن ربيعةَ حليف بني عَدِيِّ بن كعبٍ، قال: قال لي زيدُ بنُ عَمْرو: إنِّي خالفتُ قومِي واتَّبعت ملَّةَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وما كانا يعبدان، وكانا يصلِّيان إلى هذه القبلةِ، وأنا أنتظر نبيًّا مِن بني إسماعيلَ يُبعَثُ، ولا أراني أدركُهُ، وأنا أؤمنُ به وأصدِّقُهُ، وأشهد أنَّهُ نبيٌّ، وإن طالت بك حياةٌ؛ فأقرئه منِّي السَّلامَ، قال عامرٌ: فلمَّا أسلمت؛ أَعلَمْتُ النَّبِيَّ صلعم بخبره، قال: فردَّ ◙ ، وترحَّمَ عليه، وقال: «لقد رأيته في الجنَّةِ يسحبُ ذيولًا»، وروى البَزَّار والطَّبرانيُّ مِن حديث سعيد بن زيد، وفيه قال: سألت أنا وعمرُ رسولَ اللهِ صلعم عن زيدٍ، فقال: «غفر الله له ورحمه؛ فَإِنَّهُ مات على دين إبراهيمَ ◙ »، وقال الباغنديُّ عن أبي سعيد الأشجِّ عن أبي معاوية، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشةَ ♦ قالت: قال رسول الله صلعم : «دخلت الجنَّة فرأيتُ لزيد بن عَمْرو بن نُفَيل دَوحَتَينِ»، وقال ابن كثير: وهذا إسنادٌ جَيِّدٌ، وليس في شيءٍ مِنَ الكتب.
          فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ ذكرَ البُخَاريُّ هذا البابَ في كتابه؟ قُلْت: أشار به إلى أنَّ النَّبِيَّ صلعم لقيَه قبلَ أن يُبعَثَ، وذَكَر مِن شأنِه ما ذَكَره، حَتَّى إنَّ الذهبيَّ وغيرَه ذكروه في الصَّحابةِ، وقال صاحب «التوضيح»: مَيلُ البُخَاريِّ إليه.
          قُلْت: فلذلك ذكرَه بينَ ذكر الصَّحابة.