الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التبكير إلى العيد

          ░10▒ (بَابُ التَّبْكِيرِ لِلْعِيدِ) وفي بعض النُّسخ: <إلى العيد> وعليهما: فالتبكير بتقديم الموحدة على الكاف، مصدر بكرَ: إذا بادَرَ.
          قال في ((الفتح)): / كذا للأكثر، بتقديم الموحدة من البُكُور، وعلى ذلك جرى شارِحُوه، ومن استخرجَ عليه، ووقع للمُستَملي: <التكبير للعيد> بتقديم الكاف، وهو تحريفٌ، انتهى.
          ومثلهُ في العينيِّ والقسطلاني، غير أنَّ الثاني عزا الثانيةَ لأبي ذرٍّ والأصيليِّ عن الكُشمِيهني، ووجهُ كونه تحريفاً: أنَّه ليس له في الباب ما يدلُّ عليه؛ ولأنَّ المصنف سيعقد باباً قريباً للتكبيرِ.
          (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ) بضم الموحدة وسكون السين المهملة وبالراء؛ أي: المازنيُّ، آخرُ من مات من الصحابةِ بالشام في حمصَ فجأةً وهو يتوضَّأ سنة ثمان وثمانين، وهو ممن صلَّى إلى القبلتين، وبُسْر هذا صحابيٌّ أيضاً.
          قال في ((التقريب)): بُسْر بن أبي بُسْرٍ المازني، والدُ عبد الله، صحابيٌّ له ذكرٌ في مسلمٍ بلا رواية.
          وقال في ((الإصابة)): بُسْر بن أبي بسر المازنيٍّ، والد عبد الله، من بني مازن بن منصور بن عكرمة، ثبتَ ذكرهُ في ((صحيح مسلم)) من حديث عبد الله بن بُسْر قال: نزل النبيُّ صلعم على أبي فقدَّمنا له طعاماً، الحديث، ووقع للنَّسائيِّ عن عبد الله بن بُسْر عن أبيه، وقيل: عن أخته عن أبيه، وروى في الصَّوم حديثاً في يوم السبت من رواية عبد الله بن بُسْر عن أبيه، وقيل: عنهُ بلا واسطةٍ.
          قال أبو زرعة الدِّمشقيُّ: صحب بُسْر النبيَّ صلعم هو وابناهُ وابنتهُ، وروى ابن السَّكن من طريق معاويةَ بن صالحٍ عن عبد الله بن بُسْر: ((أنَّ النبيَّ صلعم أتاهم وهو راكبٌ على بغلةٍ))، كنا نسمِّيها: حمارةً شاميةً، انتهى.
          (إِنْ) بكسر الهمزة مخففةً من الثَّقيلة (كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ) هذا التعليقُ وصلهُ أحمد من طريق خُمَيْر _بالخاء المعجمة مصغَّراً_ وكذا أبو داودَ والحاكم، لكن من طريق أحمد كما في ((الفتح)) ولفظُ أحمد: قال: خرج عبد الله بن بُسْر صاحب النبيِّ صلعم مع النَّاس يوم عيد فطرٍ أو أضحى، فأنكرَ إبطاء الإمام، وقال: إن كنَّا مع النبيِّ صلعم قد فرغنا ساعتنا هذه، فصرَّح برفعه، وأثبتَ قد، وهي ساقطةٌ من البخاريِّ كما في ((اليونينية)) و((الفتح)) و((العمدة))، نعم هي في ((التنقيح)) ثابتةٌ.
          وقال فيه: قيل: صوابهُ: ((لقد فرغنا))، وتعقَّب القيل الدمامينيُّ فقال: يريدُ هذا القائل أنَّ الإتيان باللام الفارقة لازمٌ، وإنما يكون ذلك عند خوف اللبس، كما قال ابن مالكٍ، انتهى ملخَّصاً.
          (وَذَلِكَ) أي: وقتُ الفراغ (حِينَ التَّسْبِيحِ) أي: وقت صلاة النافلةِ مطلقاً، وقيل: المرادُ: صلاة الضُّحى، ويدلُّ له روايةُ الطبرانيِّ: وذلك حين تسبيح الضُّحى، وقيل: المرادُ بها صلاة العيد؛ لأنَّ صلاته سبحةُ ذلك اليوم.
          تنبيه: هذه الجملةُ أيضاً من كلام عبد الله المذكور على ما يفيدهُ كلام البرماويِّ والكرماني، قال الكرمانيُّ في أثناء كلام: ألا ترى قول ابن بُسْر: وذلك حين التَّسبيح؟ أي: حين الصَّلاة.
          ويجوزُ في ((حين)) رفعه على الخبريَّةِ لذلك؛ لأنَّه عبارةٌ عن الوقت كما أشرنا، والأكثرُ: نصبه على الظَّرفيَّة متعلِّقٌ بمحذوف خبر: ((وذلك))، و((التسبيح)) مضافٌ إليه، ورأيتهُ في بعض الأصول المعتمدةِ مضبوطاً بضمَّةٍ على أنَّه مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: نحو موجودٌ، فتدبَّر، ومطابقةُ هذا التَّعليق للتَّرجمةِ ظاهرةٌ.
          تكملة: اختُلِف في وقت الذَّهابِ إلى صلاة العيد، فمذهبُ الشافعيَّة والحنابلة: أنَّ المأموم يذهبُ / بعد صلاة الصُّبح، وأمَّا الإمام فعند إرادة الإحرام بها للاتِّباعِ، ومذهب المالكيةِ: بعد طلوع الشَّمس في حقِّ الإمام والمأموم، أمَّا الإمامُ فلفعله عليه الصلاة والسلام، وأمَّا المأموم فلفعل ابن عمر؛ فإنه كان يصلِّي الصُّبْح، ثم يغدو كما هو إلى المصلَّى.
          ويدخلُ وقتها عند الشافعيَّة بطلوع الشمس، والأفضلُ: تأخيرها إلى أن ترتفعَ كرمح، وعند المالكيَّة والحنفيَّةِ والحنابلة: من ارتفاع الشمسِ قدرَ رمحٍ في رأيِ العين، ويبقى وقتها إلى الزَّوال.
          وقال ابن بطَّال: أجمع الفقهاءُ على أنَّ العيد لا تُصلَّى قبل طلوع الشمس، واختلفوا هل يمتدُّ وقتها إلى الزَّوال أو لا، والصَّحيحُ: الامتداد، واستدلَّ ابن بطَّال على المنعِ بحديث ابن بُسْرٍ هذا، وليس دلالته على ذلك بظاهرةٍ، وتقدم الكلامُ على ذلك.