الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة

          ░7▒ (بَابُ الْمَشْي وَالرُّكُوبِ) أي: جوازُهُما (إِلَى الْعِيدِ) قال شيخُ الإسلام: أي: لصلاتِهِ، وفي نسخة: <إلى العيدين>، انتهى.
          وأقول: لكنَّ الأفضل المشيُ في الذَّهاب إلى كل عبادةٍ سوى الحجِّ، إلَّا لعذر للاتِّباع، وللخبر الصحيح في الجمعة، وقيس بها غيرها، وهو ما رواهُ أحمد والأربعة وابن حبَّان، والحاكم عن أوس بن أوس من قوله عليه الصلاة والسلامُ: ((من غسلَ يومَ الجُمُعةِ واغتسَلَ، وبكَّرَ وابتكَرَ، ومشَى ولم يركَبْ، ودَنا من الإمَامِ واستَمَعَ ولم يلغُ، كان له بكلِّ خطوَةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيَامِهَا وقيَامِهَا))، وفي روايةٍ: ((كانَ له بكُلِّ خطوَةٍ يخطُوهَا من بَيتِهِ إلى المَسجِدِ عملُ سنَةٍ)) الحديث.
          وأما في عوده إلى بيته، والأفضلُ أن يكون من طريقٍ آخر، فيتخيَّر بين المشيِ والرُّكوب.
          وذكرَ ابن الأستاذ أن الأولى لأهل الثُّغر بقرب عدوِّهم ركوبهم ذهاباً وإياباً، وإظهار السِّلاح وهو وجيهٌ، بل قد يجب.
          وقوله: (وَالصَّلَاةِ) أي: وباب صلاة العيد (قَبْلَ الخُطْبَةِ) وتقدَّم الكلامُ على هذا آنفاً في الباب قبله، ولعلَّ غرض المصنِّف من إيراده: بيانُ لزوم ذلك، وسقط لغير أبي ذرٍّ وابن عساكر، وهو أولى؛ لأنَّه يأتي في باب عقبَ هذا بغير متعلِّقٍ بالصَّلاة، وعلى سقوطها فهو حال من ((العيد))، وثبتَ في بعض النُّسخ: ((وبغير)) بالواو عطف على: ((قبل)) أي: وباب الصَّلاة.
          (بِغَيْرِ أَذَانٍ) أي: مُطلقاً، فلا يؤذنُ لها على المنارة مثلاً، ولا بين يدي الخطيبِ (وَلَا إِقَامَةٍ) عطفٌ على: ((أذان)) أي: لا يسنُّ لصلاة العيد أذانٌ ولا إقامةٌ بل يكره، وإنَّما ينادى لها بنحو: الصَّلاةُ جامعةٌ.
          تنبيه: في هذه الترجمةِ كما في ((الفتح)): ثلاثة أحكامٍ: صفةُ التوجُّه، وتأخير الخطبة عن الصلاةِ، وترك النِّداء فيها.
          فأمَّا الأول، فقد اعترضَ عليه ابن التِّين: بأنَّه ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدلُّ على مشيٍ ولا ركوبٍ.
          وأجابَ الزين بن المنيِّر: بأنَّ عدم ذكره مشعرٌ بتسويغ كلٍّ منهما، ولا مزيَّة لأحدهما على الآخر، ولعلَّه أشار بذلك إلى تضعيف ما وردَ في المشي، ففي التِّرمذيِّ عن عليٍّ قال: من السُّنَّة أن يخرج إلى العيدِ ماشياً، وفي ابن ماجه عن سعد القرظ: ((أنَّ النبيَّ صلعم كان يأتي العيدَ ماشياً)).
          وفيه: عن أبي رافعٍ نحوه، وأسانيد الثلاثة ضعافٌ.
          وفي ((الأم)): بلَغنا عن الزُّهريِّ قال: ((ما ركبَ رسولُ الله صلعم في عيدٍ، ولا جنازَةٍ قط)).
          ويحتملُ أن البخاريَّ استنبطَ من قوله في حديث جابرٍ: ((وهو يتوكَّأ على يد بلالٍ)) مشروعيةُ الرُّكوبِ لمن احتاج إليه، وكأنَّه يقول: الأولى: المشيُ حتى يحتاج إلى الرُّكوب، كما خطب النبيُّ صلعم قائماً على رجليه، فلما تعبَ من الوقوف / توكَّأ على بلالٍ، والجامعُ بين الركوب والتَّوكؤ: الارتِفاقُ بكلٍّ منهما، كما أشارَ إليه ابن المرابط.
          وأما الثاني فظاهرٌ من أحاديث الباب، وتقدَّم الخلاف في أول من فعل ذلك.
          وأما الثَّالث فليس في أحاديث الباب ما يدلُّ عليه إلَّا حديث ابن عباسٍ في ترك الأذان، وكذا أحدُ طريقي جابرٍ، ووجَّهه بعضهم: بأنَّه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها أيضاً في الأذان والإقامة.
          قال في ((فتح الباري)): ولا يخفى بعده، والذي يظهر: أنَّه أشارَ إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث التي ذكرَهَا، وسنذكرها _إن شاء الله تعالى_ حين ذكر المصنف لما أوردهُ في هذا الباب.