نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: فممن كان إلا من مضر؟!من بني النضر

          3491- (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ) هو: أبو محمَّد الدَّارمي البصري، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) هو: ابنُ زياد، قال: (أَخْبَرَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ) وكُلَيب بصيغة التَّصغير، ووائل بالهمز، هو تابعيٌّ وسط كوفي، وأصلُه من المدينة، وهو ثقةٌ عند الجميع إلَّا أن أبا زُرعة ضعَّفه بغير قادحٍ، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وهذا هو المحفوظ ورواه عفَّان، عن عبد الواحد، فقال: عن عاصم بن كُليب، أخرجه الإسماعيليُّ، وهو خطأ من عفَّان قال: (حَدَّثَنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلعم زَيْنَبُ ابْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ) وهي بنتُ أم سلمة ♦ زوج النَّبي صلعم (قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ) أي: أخبريني (النَّبِيَّ صلعم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ) الهمزة فيه للاستفهام (قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ) كذا في رواية الكُشْمِيْهَني، وفي رواية غيره: <ممن> بدون الفاء (إِلاَّ مِنْ مُضَرَ) أي: لم يكن إلَّا من مضر والاستفهام للإنكار، ومضر هو: ابنُ نزار بن مَعَدِّ بن عدنان، والنَّسب ما بين عدنان إلى إسماعيل بن إبراهيم ◙ مخْتَلَفٌ فيه كما سيأتي، وأمَّا من النَّبي صلعم إلى عدنان فمتَّفَقٌ عليه.
          وقال ابن سعدٍ في «الطبقات»: حدَّثنا هشام بن الكلبي، قال: علَّمني أبي وأنا غلام نَسَبَ النَّبيِّ صلعم فقال: محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو شيبة الحمد بن هاشم، واسمه: عَمرو، ابن عبد مناف، واسمه: المغيرة، ابن قصي، واسمه: زيد، ابن كِلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وإليه جماع قريش، وما كان فوق فِهْر فليس بقرشي بل هو كناني، ابن مالك بن النَّضر، واسمه: قيس بن كنانة بن خُزيمة بن مدركة، / واسمه: عَمرو، ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان.
          وروى الطَّبراني بإسناد حسنٍ عن عائشة ♦ قالت: استقام نسب النَّاس إلى معدِّ بن عدنان ومُضَر، بضم الميم وفتح الضاد المعجمة، واشتقاقه من المُضِيرة، وهي شيءٌ يُصنَعُ من اللبن سمِّي به لبياض لونه، والعربُ تسمي الأبيض: أحمر، فلذلك قيل: مضر الحمراء، وقيل: إنما قيل له: مضر الحمراء، وقيل لأخيه: ربيعة الفرس؛ لأنهما لمَّا اقتسما الميراث أُعْطِيَ مضر الذهبَ، وهو يؤنث، وأُعْطِيَ ربيعةُ الخيلَ. وقال ابنُ سيده: سمي مضر؛ لأنَّه كان مولعاً بشرب اللَّبن الماضر؛ أي: الحامض.
          قال الحافظُ العسقلاني: وفيه نظرٌ؛ لأنَّه يستدعي أن يكون له اسم غيره قبل أن يتَّصف بهذه الصِّفة، نعم يمكن أن يكون هذا اشتقاقه ولا يلزم أن يكون متَّصفاً به حالة التَّسمية، وهو أوَّل من سنَّ للعرب الحداء للإبل؛ لأنَّه كان حَسَنَ الصَّوت فسقط يوماً من بعيره فَوَثَبَتْ يَدُه فجعل يقول: وايداه وايداه، فأعْنَقَتْ له الإبلُ، وأمُّه سودة بنت عك، وقيل: حبيبة بن عك، وكان على دين إسماعيل ◙.
          وروى ابنُ حبيب في «تاريخه» قال: حدَّثنا أبو جعفر، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عبَّاس ☻ قال: مات أدد والد عدنان وعدنان ومعد وربيعة ومضر وقيس غيلان وتميم وأسد وضبَّة، على الإسلام على ملَّة إبراهيم ╕، فلا تذكروهم إلَّا ما يُذْكَر به المسلمون.
          وعن سعيد بن المسيَّب أنَّ رسول الله صلعم قال: ((لا تسبُّوا مضر فإنَّه كان مسلماً على ملَّة إبراهيم ◙)) وعند الزُّبير بن بكار من حديث ميمون بن مهران، عن ابن عبَّاس ☻ يرفعه: ((لا تسبوا مضر ولا ربيعةَ، فإنهما كانا مسلمين)). وقال رسول الله صلعم : ((إذا اختلف النَّاس فالحقُّ مع مُضر)). وروي أنَّه صلعم قال: ((إنَّ الله ╡ اختار هذا الحيَّ من مضر)). ولابن سعد من مرسل عبد الله بن خالد رفعه: ((لا تسبُّوا مضر، فإنَّه كان قد أسلم)).
          (مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) النَّضْر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، هو: ابن كِنانة، بكسر الكاف، ابن خُزيمة بن مدركة، بلفظ الفاعل، ابن إلياس بن مضر، فهذا بيان له لأنَّ مضر قبائل، وهذا بطن منه. /
          والنَّضر: اسمه: قيس؛ سمِّي به لوضاءة وجههِ وجماله وإشراقه، والنَّضر هو الذَّهب الأحمر، وهو النَّضار أيضاً، وأمُّه برَّة بنت مر بن أد بن طابخة (1)، وكنية النَّضر: أبو يَخلد، كنى بابنه يَخلد.
          وروى أحمدُ وابن سعد من حديث الأشعث بن قيس الكندي قال: قلت: يا رسول الله، إنا نزعمُ أنَّكم منَّا يعني: من اليمن، فقال: نحن بنو النَّضر بن كنانة. وروى ابنُ سعد من حديث عَمرو بن العاص ☻ ، بإسناد فيه ضَعْفٌ مرفوعاً: ((أنا محمَّد بن عبد الله))، وانتسب حتَّى بلغ النَّضر بن كنانة، قال: ((فمن قال غير ذلك فقد كذبَ)) انتهى.
          وإلى النَّضر تنتهي أنساب قريش، وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه [خ¦3497] إن شاء الله تعالى وإلى كنانة تجتمع أنسابُ أهل الحجاز، وقد روى مسلم من حديث واثلة مرفوعاً: ((إنَّ الله اصطفى كنانةَ من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)).


[1] في هامش الأصل: وطابخة: لقب عامر بن إلياس بن مضر، لقَّبه بذلك أبوه لما طَبَخ الضبَّ. جوهري.