نجاح القاري لصحيح البخاري

باب يأجوج ومأجوج

          ░28▒ (باب: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بغير همزٍ، وبه قرأ السَّبعة إلَّا عاصماً فبهمزة ساكنة، وهما اسمان مشتقَّان من أجيج النَّار؛ أي: صوتها أو التهابها، وقيل: من الأجَّة _بالتَّشديد_ وهي الاختلاطُ أو شدَّة الحرّ، وقيل: من الأجِّ، وهو سرعةُ العَدْوِ، وقيل: من الأجاج، وهو الماءُ الشَّديد الملوحة، ووزنها يفعول ومفعول وهو ظاهرُ قراءة عاصم، وكذا قراءة الباقين إن كانت الألف مسهَّلة من الهمزة، وقيل: فاعول من يجَّ ومجّ.
          وقيل: مأجوجٌ من ماج إذا اضطرب ووزنه أيضاً مفعول، قاله أبو حاتمٍ قال: والأصل موجوج وجميع ما ذكر من الاشتقاق مناسبٌ لحالهم، ويؤيِّد الاشتقاق وقول من جعله من ماج: إذا اضطرب قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:99] وذلك حين يخرجون من السَّدِّ، وقرأ العجاج وولده رؤبة: ▬أأجوج↨ بهمزة بدل الياء منعاً من الصَّرف للتأنيث والعلميَّة، فإنَّهما اسما قبيلتين. وقيل: هما اسمان أعجميَّان فمنعا من الصَّرف للعجمة والعلميَّة، ثمَّ إنَّهما من نسل آدم ◙ كما في «الصحيح»، والقول بأنَّهم خلقوا من منيّ آدم / المختلط بالتُّراب، وليسوا من حوَّاء، وذلك أنَّ آدم ◙ نام فاحتلمَ، فامتزجت نطفته بالتُّراب فخلق منها يأجوج ومأجوج، كما روي عن كعبٍ، فهو مردودٌ بأنَّ النَّبيّ لا يحتلم.
          وإن أُجيب عنه بأنَّ المنفي أن يرى في المنام أنَّه يجامع، فيحتمل أن يكون دفق الماء فقط وهو جائزٌ كما يجوز أن يبولَ، ولا يعتمد عليه، إذ لا دليل عليه جدًّا، بل هو ممَّا يحكيه بعض أهل الكتاب من الأحاديث المفتعلة، كما قاله ابن كثيرٍ.
          وروى ابن مردويه والحاكم من حديث حذيفة مرفوعاً: ((يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوحٍ)) وبه جزم وَهْبٌ وغيره. وقيل: إنَّهم من التُّرك، قاله الضَّحاك، وقيل: يأجوج من التُّرك ومأجوج من ديلم، وجاء في صفتهم ما أخرجه ابن عديٍّ وابن أبي حاتم، والطَّبرانيّ في «الأوسط» وابن مردويه من حديث حذيفة ☺ رفعه قال: ((يأجوج أمَّةٌ ومأجوج أمَّة كلُّ أمة أربعمائة ألفٍ لا يموت الرَّجل منهم حتَّى ينظر إلى ألف ذكرٍ من صلبه، كلُّهم قد حمل السِّلاح، لا يمرُّون على شيءٍ إذا خرجوا إلَّا أكلوه، ويأكلون من مات منهم))، وهو من رواية يحيى بن سعيد القطَّان عن محمد بن إسحاق عن الأعمش والعطَّار ضعيف جداً، ومحمد بن إسحاق قال ابن عديٍّ: ليس هو صاحب «المغازي» بل هو العكاشيُّ، قال: والحديث موضوعٌ.
          وقال ابن أبي حاتمٍ رفعه: ((إنَّ يأجوج ومأجوج أقلُّ ما يترك أحدهم لصلبهِ ألف من الذُّريّة))، وللنَّسائيّ من رواية عَمرو بن أوسٍ عن أبيه رفعه: ((إنَّ يأجوج ومأجوج يجامعون ما شاءوا ولا يموت رجلٌ منهم إلَّا ترك من ذرِّيَّته ألفاً فصاعداً)). وأخرج الحاكم وابن مردويه من طريق عبد الله بن عمرو: ((إنَّ يأجوج ومأجوج من ذريَّة آدم، ووراءهم ثلاث أممٍ، ولن يموت منهم رجلٌ إلَّا ترك من ذريّته ألفاً فصاعداً)). وأخرج عبد بن حميدٍ بسندٍ صحيحٍ عن عبد الله بن سلام مثله، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو قال: ((الجنُّ والإنس عشرة أجزاءٍ فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء سائر النَّاس)). ومن طريق شريح بن عبيد عن كعب قال: هم ثلاثة أصنافٍ: صنفٌ أجسادهم كالأَرْز _بفتح الهمزة وسكون الرّاء ثم زاي_ وهو شجرٌ كبار جداً، وصنفٌ أربعة أذرعٍ في أربعة أذرعٍ، وصنفٌ يفترشون آذانهم ويلتحفون الأخرى.
          ووقع نحو هذا في حديث حذيفة، وأخرج أيضاً هو والحاكم من طريق أبي الحوراء عن ابن عبَّاسٍ ☻ : ((يأجوج ومأجوج شبراً شبراً وشبرين شبرين أطولهم ثلاثة أشبارٍ وهم من ولد آدم)). ومن طريق أبي هريرة ☺ رفعه: ((ولد نوحٍ ◙ سام / وحام ويافث فولد لسام العرب وفارس والرُّوم وولد لحام القبط والبربر والسُّودان، وولد يافت يأجوج ومأجوج والتُّرك والصَّقالبة))، وفي سنده ضعفٌ.
          وفي رواية سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قال: ((يأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبيلةً، بنى ذو القرنين السَّدّ على إحدى وعشرين، وكانت منهم قبيلةٌ غائبةٌ في الغزو وهم الأتراك فبقوا دون السَّدِّ)). وأخرج ابن مردويه من طريق السُّدي قال: ((التُّرك سريَّةٌ من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت تُغِير، فجاء ذو القرنين فبنى السَّدَّ فبقُوا خارجاً)).
          وفي «التّيجان» لابن هشام: إنَّ أمَّةً منهم آمنوا بالله ورسوله فتركهم ذو القرنين لمَّا بنى السَّدّ بأرمينيّة فسمِّي (1) التُّرك لذلك.
          ووقع في «فتاوى الشيخ محيي الدّين»: يأجوج ومأجوجٌ من أولاد آدم لا من حواء عند جماهير العلماء، فيكونون إخوتنا لأبٍ، كذا قال.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: ولم نرَ هذا عن أحدٍ من السَّلف إلَّا عن كعب الأحبار، ويردُّه الحديث المرفوع أنَّهم من ذريَّة نوح، ونوح من ذريَّة حواء قطعاً.
          قال الحافظ ابن كثيرٍ: روى أبو حاتم أحاديث غريبة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصرهم وآذانهم، لا يصحُّ أسانيدها، والله تعالى أعلم.


[1] في هامش الأصل: في نسخة صحيحة: فسموا.