نجاح القاري لصحيح البخاري

باب لعن السارق إذا لم يسم

          ░7▒ (بابُ) حكم (لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ) أي: لم يُعيَّن، وكأنَّ المصنِّف أشار بهذه التَّرجمة إلى وَجْهِ التَّوفيقِ بين النَّهي عن لَعْنِ الشَّارِبِ المُعَيَّن، كما مضى تقريره [خ¦6780]، وبين حديث الباب.
          وقال صاحب «التلويح»: قوله في التَّرجمة: باب لعن السَّارق إذا لم يُسَمَّ، كذا في جميع النُّسخ، فإن صحَّت التَّرجمة: فهو أنَّه لا ينبغي تعييرُ أهلِ المعاصي، ومواجهتُهم باللَّعنة، وإنَّما ينبغي أن يلعنَ في الجملة من فَعَلَ فِعْلَهم؛ ليكون ذلك رَدْعًا وزَجْرًا عن انتهاكِ شيءٍ منها.
          فإذا وقعت من معيَّن لم يُلْعَن بعينه؛ لئلَّا يقنطَ وييأسَ من رحمة الله، ولنهي النَّبيِّ صلعم عن لَعْن النُّعيمان، قال ابن بطَّال: وإن كان هذا مرادُ البخاري فهو غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه إنَّما نهى عن لعن الشَّارب، وقال: ((لا تعينوا عليه الشَّيطان)) بعد إقامة الحدِّ عليه.
          وقال الدَّاودي: قوله في هذا الحديث: ((لعن الله السَّارق)) / يحتمل أن يكون زَجْرًا؛ ليرتدع من سَمِعَه عن السَّرقة، ويحتمل أن يكون دعاءً، وقال الحافظ العَسقلاني: ويحتمل أن لا يرادَ به حقيقة اللَّعن، بل التَّنفير فقط.
          وقال الطِّيبي: لعلَّ المراد باللَّعن هنا الإهانة والخذلان كأنَّه قيل: لمَّا اسْتَعْمَلَ أعزَّ شَيءٍ في أحْقَرِ شيءٍ خَذَلَه الله حتَّى قُطِعَ، وقال القاضي عياض: جوَّز بعضُهم لعن المُعَيَّن في الجملة فحَمْلُه على المعين أولى، وقد قيل: إنَّ لَعْنَ النَّبي صلعم لأهل المعاصي كان تحذيرًا لهم عنها قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتَّوبة.
          وأمَّا من أغلظ له ولعنه تأديبًا على مثل فعله فقد دخل في عموم شرطهِ، حيث قال: «سألت ربِّي أن يجعل لعنِي له كفَّارة ورحمةً»، وجاء في «صحيح مسلم»: أنَّه مقيَّد بما إذا صدر في حقِّ من ليس لها بأهلٍ.