غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أسامة بن زيد بن حارثة

          68 # أسامة بن زيد بن حارثة، أبو زيد وقال الواقديُّ: أبو محمَّد. الصَّحابيُّ ابنُ الصَّحابيِّ(1) الكَلْبيُّ المَدَنيُّ، مولى النَّبيِّ صلعم من أبويه؛ لأنَّ أمَّه أمُّ أيمن مولاةُ رسول الله صلعم.
          وهو حِبُّ النَّبيِّ صلعم. رُوي عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «إنَّ أسامة لأَحَبُّ النَّاس إليَّ _أو: من أحبِّ الناس إليَّ_ وأنا أرجو أن يكون من صالحِيْكُم، فاستوصوا به خيراً»(2)
          واستعمله النَّبيُّ صلعم وهو ابنُ ثمانَ عشرةَ سنة، وأمَّره على جيش كَثيف في مرضه، وفيه(3) عمر بن الخطَّاب وباقي العشرةِ المبشَّرةِ، فلمَّا اشتدَّ وجعُه، أوصى أن يُنفَذ جيشُ أسامة، فساروا بعدَ موته، وستأتي قصَّته في ترجمة زيد والده، وأَمَره أن يُغِيْرَ على أُبْنَى _[اسم طائفة] _ صباحاً، وأن يُحَرِّق، وأُبْنَى هي(4) القرية التي(5) عند مُؤْتَةَ _بضمِّ الميم، ثمَّ همزة ساكنة_ بالبَلْقاء حيث قُتل أبوه زيد، وإنَّما أَمَّره على حداثة سِنِّه؛ ليدرك ثَأْرَه، فذهب إليهم، وقتل وسبى، وقتل قاتلَ أبيه.
          قالت عائشة: عَثَر أسامةُ بعَتَبةِ الباب، فَشُجَّ في وجهه، فقال لي رسول الله صلعم: «أَمِيطي عنه الدَّمَ»، فكأنِّي تَقَذَّرْتُه، فجعل رسول الله صلعم يمصُّه ويمجُّه(6)
          وأَردَفَه رسول الله صلعم على حِمارٍ عليه قَطِيْفَة، لمَّا عاد سَعْدَ بنَ عُبَادة، قبل وقعةِ بَدْر(7)
          ولما فَرَضَ عمر ☺ للنَّاس العَطَاء فَرَضَ لأسامة خمسةَ آلاف، وفَرَضَ لابنه عبد الله بن عمر ألفين، فقال له ابنه: فَضَّلْتَ عليَّ أسامة، وقد شهدتُ ما لم يَشهد؟! فقال: أنَّ أسامة كان أحبَّ إلى رسول الله صلعم / منك، وأبوه كان أحبَّ إلى رسول الله صلعم من أبيك(8) فرضي الله عنه ما أَنصفَه، وما كان أهضمَ لنفسه!
          ولم يبايعْ عليًّا، ولا شَهِد من حروبه معه شيئاً، وقال له: لو أدخلتَ يدك في فم تِنِّين لأدخلتُ يدي معها، ولكنَّك قد سمعتَ ما قال لي رسول الله صلعم حين قتلتُ ذلك الرَّجل الذي شهد أنْ لا إله إلَّا الله، وذلك (أنِّي) كنت في غزاةٍ، فأدركتُه أنا ورجل من الأنصار، فلمَّا شَهرنا عليه السِّلاح قال: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله. فلم نَنْزِعْ(9) عنه حتَّى قتلناه، فلمَّا قدمنا على رسول الله صلعم أخبرناه خبرَه، فقال: «يا أسامة! مَن لك بلا إله إلَّا الله؟!» فقلتُ: يا رسول الله! أنَّما قالها تعوُّذاً من القتل. فقال: «مَن لك بلا إله إلَّا الله؟! هلَّا شققت قلبه؟!». فوالذي بعثه بالحقِّ نبيًّا، ما زال يردِّدها عليَّ حتَّى وَدِدْتُ أنَّ ما مضى من إسلامي لم يكن، وأنِّي أسلمت يومئذ، فقلتُ: إنِّي أعطي الله عهداً أن لا أقتل رجلاً قال: لا إله إلَّا الله(10)
          روى عُبيد الله بن عبد الله(11) قال: رأيتُ أسامة بن زيد يصلِّي عند [قبر النَّبيِّ صلعم، فدُعِيَ مروان بجنازةٍ ليصلِّي عليها، فصلَّى عليها، ثمَّ رجع وأسامة يصلِّي عند] باب بيت(12) النَّبيِّ صلعم، فقال له مروان: إنَّما أردتَ أن يُرَى مكانُك، فعلَ الله بك وفعل. فقال قولاً قبيحاً، ثمَّ أدبر، فانصرف أسامةُ، وقال: يا مروان إنَّك آذَيتَني، وإنَّك فاحش متفحِّش، وإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «إنَّ الله يُبغض الفاحشَ المتفحِّشَ».
          وأمُّه أمُّ أيمن، اسمها: بَرَكَة، حاضنةُ النَّبيِّ صلعم، كانت لأبيه عبد الله بن عبد المطَّلب.
          هو حِبُّ النَّبيِّ صلعم وابنُ حِبِّه.
          ماتَ النَّبيُّ صلعم وأسامة ابنُ عشرين سنة، رُوي له عن رسول الله صلعم مئة حديث وثمانية وعشرون حديثاً، ذَكَر البخاريُّ منها سبعةَ عشرَ.
          نزل بوادي القُرى.
          روى عنه: عبد الله بن عبَّاس، وأبو عثمان النَّهْديُّ، وعُرْوة بن الزُّبير، وعَمْرو [بن](13) عثمان بن عفَّان، وكُرَيب، وأبو ظَبْيَان.
          روى عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب إسباغ الوضوء، من كتاب الوضوء [خ¦139] ، وفي الحجِّ [خ¦1588] و [في] السِّيَر [خ¦2987] وغيرهما.
          وكان أسودَ كالقَارِ، وأبوه أبيضُ، وقيل بالعكس، فلذا لهج النَّاس / بما لهجوا، وفرح صلعم لمَّا قال مُجَزِّز المُدْلِجيُّ(14) حين رأى أَرْجُلَهُمَا: سبحانَ الله! هذه الأرجلُ بعضُها من بعض. فقال لعائشة مسروراً مستبشراً: «ألم تَرَيْ ما قال مُجَزِّز؟ قال: أنَّ هذه الأَرْجلَ بعضُها من بعض»(15)
          ومن هنا أخَذَ الشَّافعيُّ حكمَ القيافة؛ فإنَّ التَّقرير حكم منه، خصوصاً مع الاستبشار.
          وكان أَفْطَسَ.
          توفِّي بعد قتل عثمان، في أواخر أيَّام معاوية، سنة ثمانٍ أو تسعٍ وخمسين، وقيل: أربع، وصحَّحه أبو عُمر(16) (بالجُرْفِ)، وحُمِل إلى المدينة.


[1] في (ن) تصحيفاً: (ابن الضحاك).
[2] المسند (5449)، ومسلم (4453)، ومصنف ابن ابي شيبة:7/533.
[3] في غير (ن): (فيه).
[4] في (ن) تصحيفاً: (من).
[5] في (ن) تصحيفاً: (إلى).
[6] المسند (24677)، وابن ماجه (1966).
[7] أخرجه البخاريُّ برقم (4566).
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبير:3/ 296-297.
[9] في (ن) تصحيفاً: (نزع).
[10] انظر أسد الغابة:1/ 80، والحديث أخرجه البيهقي في دلائل النبوة برقم (1638) وهو بلفظ قريبٍ للمذكور هنا في البخاري (6364).
[11] سقطت (بن عبد الله) من (ه)، والقصَّة أخرجها ابن حبَّان في صحيحه برقم (5694).
[12] في (ن) تصحيفاً: (بنت).
[13] ما بين معقوفتين سقط من جميع النسخ وجاء فيها: (عمر وعثمان) والمثبت من المصادر.
[14] في غير (ن): (الأسلمي).
[15] أخرجه البخاري برقم (6272) بلفظ: (هذه الأقدام).
[16] في (ن) تصحيفاً: (أبو عمرو) والمقصود أو عمر ابن عبد البرِّ صاحب الاستيعاب:1/ 77.