غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

إبراهيم بن يزيد النخعي

          22 # إبراهيم بن يزيد بن قَيْس بن الأَسْود بن عَمْرو، إمام أهل الكوفة، أبو عِمْران النَّخَعِيُّ، بفتح النُّون والخاء المعجمة، آخرها مهملة، الكُوفيُّ التابعيُّ المُجْمَع على إمامته، وجلالته علماً وعملاً.
          رأى عائشة، ولم يَثْبت له منها سماع.
          حُمل عنه العلم، وهو ابن ثمان عشرة سنة، قال الشَّعبيُّ حين توفِّي إبراهيم: ما ترك أحداً أعلمَ أو أَفقه منه، قالوا: لا الحسن، ولا ابن سيرين! قال: لا الحسن، ولا ابن سيرين، ولا من أهل البصرة، والكوفة، والحجاز، والشَّام.
          قال الأعمش: إبراهيمُ صَيْرَفيُّ الحديث.
          سمع: عَلْقَمَةَ بنَ قَيْس، والأسودَ بن يزيد، ومَسْروقاً، وعَبِيْدَةَ السَّلْمانيَّ، وهَمَّاماً، وأبا(1) عُبَيدة، وعبد الرَّحمن بن يزيد.
          وسمع منه: الحَكَمُ، والمَنْصور، والأَعْمش، والمُغيرة، وابنُ عَوْن، وزُبَيد _بالموحَّدة ثم المثنَّاة التَّحتيَّة أوَّلها زاي مضمومة_ الياميُّ.
          وروى عنه البخاريُّ بالواسطةِ في مواضع، أوَّلُها في الإيمان، في باب: ظُلْمٌ دون ظُلْم [خ¦32] .
          قال إسماعيل بن أبي خالد: كان الشَّعْبيُّ، وإبراهيم، وأبو الضُّحى يجتمعون في المسجد، فيتذاكرون الحديث، فإذا جاءهم شيء ليس عندهم رَمَوا إبراهيم بأبصارهم.
          قال يحيى: مَرَاسيلُ إبراهيم أحبُّ إليَّ من مراسيل الشَّعبيِّ.
          قال أحمدُ: إبراهيم كُوفيٌّ ثقة، مفتي أهل الكوفة هو والشَّعْبيُّ في زمانهما، وكان صالحاً، فقيهاً، مُتَوَقِّياً(2) قليلَ التَّكلُّف.
          ولد سنة ثمان وثلاثين، وتوفِّي سنة ستٍّ وتسعين، وهو مُخْتفٍ من الحجَّاج. لم يحضر وفاته إلَّا سبعةُ أنفُس. هكذا قاله الكِرْمانيُّ(3) ولي فيه نَظَر؛ فإنَّ الحجَّاج مات سنة خمس وتسعين.
          وكان زاهداً، ورعاً، فقيهاً، إماماً، مجتهداً له مذهب، مهاباً يهابه النَّاس، كما يهابون الأمراء [والملوك لقيامه بأوامر الله] ، (حُمِل عنه العلم، وله ثماني عشرة سنة)(4) وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً(5)
          وكان سعيد بن جُبَير يقول: أتستفتوني وفيكم إبراهيم النَّخَعي؟!
          وكان أعورَ. قال النَّخَعيُّ: خرجتُ أنا والأعمشُ نريد الجامع بالكوفة، فقلت للأعمش: يا أبا سليمان، هل لك أنْ نأخذ(6) في غير الطُّرقات المطروقة(7) كي لا يمرَّ بنا سفهاؤها، فينظروا إلى أعورَ وأعمشَ، فيغتابونا ويأثموا، (فقال لي: وما عليك أن تؤجر ويأثموا؟! فقلت: بل نَسْلَم ويَسْلَمون خير من أن نؤجر ويأثموا).
          ولما حضرت الحَجَّاجَ الوفاةُ، جعل يُنشد من البحر البسيط(8)
يا رَبُّ قد حلف الأعداءُ واجتهدوا                     أيمانَهم أنَّني من ساكني النَّارِ
أيَحلِفون على عَمْيَاءَ وَيْحَهُمُ(9)                      ما ظنُّهم بقديم العَفْو غفَّارِ
          قال ابن خَلِّكان(10) وكتب الحَجَّاج إلى الوليد بن عبد الملك كتاباً يخبره فيه بمرضه، وكتب فيه _من البحر الطويل_:
إذا ما لَقِيْتُ الله عنِّيَ راضياً                     فإنَّ سُرورَ النَّفْسِ فيها(11) هنا لِكِ
لقد ذاق هذا الموتَ مَنْ كان قبلَنا                     ونحن نذوق الموتَ من بعد ذلِكِ
فحسبيْ حياةُ الله من كلِّ ميِّتٍ                     وحسبي بقاءُ الله من كلِّ هالكِ /
          - لطيفة:
          مرَّ بي في سَرْح العُيون(12) أنَّ رجلاً حَلَف بالطَّلاق أنَّ حَجَّاجاً من أهل النَّار، [وفي النَّار،] فأفتى طاوسُ بوقوع الطَّلاق، وبلغ(13) الحسن البصريُّ، فأمره بمعاشرة زوجته، وقال: إن كان الحَجَّاج في النَّار كما قلتَ، فلا طلاق، وإن لم يكن في النَّار مع كثرة ذنوبه، وجرأته على الله، فأنت مغفور؛ إذ معاشرتُك لأهلك، لا يبلغ عُشْر مِعْشار ذنوبه. أو كما قال.
          قال ابن خَلِّكان: قَتَل الحجَّاجُ صَبْراً مئة ألف، وعشرين ألفاً، وتوفِّي وفي حبسه خمسون ألف رجل، وعشرون ألف امرأة، بواسط، وكان الحبس حائطاً بلا سقف ولا بيت. انتهى(14)
          فإذا كان موتُ الحَجَّاج سابقاً موتَه، فكيف يموت مختفياً عنه؟ فلعلَّه ما بلغه موتُ الحَجَّاج، ويؤيِّده قولُ عَمْرو بن عليٍّ: مات النَّخَعِيُّ في أواخر سنة خمس.
          قلت: والحَجَّاج مات في رمضان، وقيل في شوَّال سنة خمس، وقال بعضهم: مات الحَجَّاج سنة ستٍّ.
          وعن يحيى بن بُكَير، كما ذكر الكَلَاباذيُّ(15) أنَّ النَّخَعي مات ما بين أربع إلى سنة ستٍّ.


[1] في (ن) تصحيفاً: (أبو).
[2] سقطت (متوقياً) من (س).
[3] شرح الخاريِّ:1/ 145.
[4] في (ه) و(س): (ثمانية عشر) والوجه المثبت.
[5] سقطت (يوماً) من غير (س) والمثبت منها.
[6] في (ن): (تأخذ) والمثبت أليق بالسياق.
[7] في غير (ن): (طرق مكة).
[8] ينظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:12/95
[9] في (ن) تصحيفاً: (ولحهم).
[10] وفيات الأعيان 2/53. ولم أجد أقدم من ابن خلكان ذكر أبيات الشعر هذه.
[11] في غير (ن): (فيما).
[12] سرح العيون شرح رسالة ابن زَيدون لابن نُبَاتة: ص185-186.
[13] في غير (ن): (وسمع الخبر).
[14] انظر البدء والتاريخ:6/ 40.
[15] الهداية والإرشاد:1/ 60.