غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

الأشعث بن قيس

          113 # الأَشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كَرِب، الكِنْديُّ، بكسر الكاف، ثمَّ النُّون السَّاكنة، آخرها مهملة.
          وقال هشام الكَلْبيُّ وأبو الوليد: الأشعث لقبٌ عليه، واسمه مَعْدِي كَرِب، وإنَّما قيل لجدِّه الأعلى: كِنْدة؛ لأنَّه كَنَدَ أباهُ النِّعمةَ، يعني ما شَكَره(1)
          وكنيته أبو محمَّد.
          وفد على النَّبيِّ صلعم في وفد كِنْدَةَ، سنة عشر من الهجرة، وكانوا ستِّين راكباً، فأسلموا.
          قال ابن سيِّد النَّاس(2) دَخَلوا على رسول الله صلعم وقد رجَّلُوا جُمَمَهُم، وتكحَّلوا، وعليهم جُبَبُ الحِبَرة، وقد كفَّفوها(3) بالحَرير، فلمَّا دخلوا على رسول الله صلعم قال: «ألم تُسْلِموا؟» قالوا: بلى، قال: «فما بال هذا الحرير في أعناقكم»؟! قال: فَشَقُّوه منها، فألقوه، وقالوا: يا رسول الله! نحن بنو آكل المُرَارِ، وأنت ابن آكلِ المُرَار.
          قال ابن سيِّد النَّاس: وآكلُ المُرَارِ هو الحارث بن عَمرو بن حُجْر، وقيل: جدُّه حُجْر. وأكل هو وأصحابه في غزوة شجراً، يقال له: المُرَار، وللنَّبيِّ صلعم جَدَّة من كِنْدَةَ، فذلك الذي أرادوا، فأجابهم صلعم وقال: «نحن بنو النَّضْر بن كِنَانة، لا نَقْفُوا(4) أُمَّنَا، ولا نَنتفي من أَبِينا».
          قال ابن الأثير(5) وكان الأشعث يقول: لا أُوتَى برجل ينفي قريشاً من النَّضْر بن كِنَانة إلَّا جلدتُه.
          وكان الأشعث رئيساً مطاعاً وجيهاً في الجاهليَّة، وجيهاً(6) في قومه في الإسلام، وكان يقول: قال رسول الله صلعم: «أَشْكَرُ النَّاس لله أَشْكَرُهم للنَّاس»(7)
          وكان الأشعث ممَّن ارتَدَّ بعدَ وفاة النَّبيِّ صلعم، فسيَّر أبو بكر الجنود إليه إلى اليمن، فأخذوه / أسيراً، فأُحضِر بين يديه، فقال: استَبْقِني لحَربك، وزوِّجني أختك. فأَطلَقَه، وزوَّجه أخته أمَّ فَرْوَةَ بنت أبي قُحَافة، فولَدَت له محمَّداً، وإسحاق، وقُريبة، وغيرهم، وكانت أمُّ فَروة من المبايعات لرسول الله صلعم وهي أمُّ محمَّد بن الأشعث.
          قال ابن الأثير(8) لمَّا تزوَّجها اختَرَط سيفَه، ودخل سوق الإبل، فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلَّا عَرْقَبَهُ، وصاح النَّاسُ: كَفَر الأشعث. فلمَّا فرغ طرح سيفه، وقال: إنِّي واللهِ ما كَفَرتُ، ولكنْ زوَّجني هذا الرَّجلُ أختَه، ولو كنَّا ببلادنا لكانت لنا وليمةٌ غير هذه، يا أهل المدينة! انحروا وكُلُوا، ويا أصحاب الإبل! تعالوا خذوا أثمانَها. فما رُئي وليمةٌ مثلها.
          وشهد الأشعث اليرموك بالشَّام، وفُقئت عينُه، ثمَّ سار إلى العراق، فشهد مع سعد بن أبي وَقَّاص القادسيَّة، والمدائن، وجَلُولاء(9) ونَهَاوند، وسكن الكوفة، وابتَنَى بها داراً، وشهد صِفِّين مع عليٍّ، وكان ممَّن ألزم عليًّا بالتَّحكيم، وكان عثمان قد استعمله على أذربيجان، وكان حسن بن عليٍّ (قد) تزوَّج ابنته، فقيل: هي التي سقت الحسن السُّمَّ، فمات منه.
          وشهد جنازةً فيها جَرير بن عبد الله، فقدَّم الأشعثُ جريراً، وقال: إنَّ هذا لم يرتدَّ عن الإسلام، وارتددتُ.
          وفيه نزل قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } [آل عمران:77] ؛ لأنَّه خاصم رجلاً في بئر، فنزلت(10)
          سمع رسولَ الله صلعم، وروى عنه تسعةَ أحاديث.
          روى عنه البخاريُّ حديثاً (واحداً)، قاله ابن حجر(11)
          وروى عنه: أبو وائل شَقِيقُ بن سَلَمة، وقيسُ بن أبي حازم، وغيرهما.
          وروى عنه البخاريُّ بالواسطة، في تفسير البقرة [خ¦4503] ، في قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة:183] .
          توفِّي بالكوفة، وصلَّى عليه الحسن بن عليٍّ، بعد عليٍّ بأربعين ليلة، سنة أربعين، وقيل: توفِّي سنة ثنتين وأربعين.
          قال ابن مَنْدَه: هذا غلط(12) لأنَّ الحسن لم يكن بالكوفة سنة اثنتين(13) إنَّما كان قد سلَّم الأمرَ إلى معاوية، وسار إلى المدينة، ♥.
          (- تتمَّة(14)
          اعلم أنَّي ما قلتُ في الأشعث: إنَّه صحابيٌّ؛ لأنَّ العراقيَّ قال(15) الذي أَسلَمَ على يدِه، ثمَّ ارتَدَّ، ثمَّ أسلَمَ بعدَ وفاته، هل يُسمَّى صحابيًّا؟ قال: فيه نظر كبير. وميلُه إلى المنع، قال: لأنَّ الرِّدَّة مُحْبِطة. لكنْ شَرَطَ الرَّافعيُّ أن تتَّصل الرِّدَّة بالموت.
          - تكملة:
          في رواية البخاريِّ عنه إشارةٌ إلى أنَّ الرِّدَّة غير مُحبِطة للرِّواية، بل يجوز النَّقل منه، فتأمَّل). /


[1] سقطت من (س).
[2] عيون الأثر:2/293، وفيه: وقدم الأشعث بن قيس في ثمانين راكباً.
[3] في (ن): (كفَّوها)
[4] في (ن) تصحيفاً: (لا تنفو)
[5] أسد الغابة:1/151، والحديث في مسند أحمد برقم (20837).
[6] سقطت من (ه).
[7] المسند برقم (20844).
[8] أسد الغابة:1/151، والخبر كاملاً هناك.
[9] في (ن) تصحيفاً: (وصلولاء)
[10] الحديث في صحيح البخاري برقم (2185) و(2239) و(2332).
[11] مقدمة الفتح: ص474.
[12] في غير (ن): (خلط).
[13] في (ن) تصحيفاً: (اثنين)
[14] سقطت من (س) مع كلمة (تكملة).
[15] شرح التَّبصرة والتَّذكرة:2/ 120.