غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أبي بن العباس

          26 # أُبَيُّ بنُ العَبَّاس _بضم الهمزة وفتح الموحدة_ بن سَهْل بن سَعْد السَّاعِديُّ، الأنصاريُّ، المَدَنيُّ.
          حدَّث عن: أبيه(1)
          وروى عنه: معنُ بن عيسى الفَزَاريُّ، بفتح الفاء ثمَّ الزَّاي آخرها راء.
          وقال الكِرْمانيُّ(2) ليس له في البخاريِّ إلَّا حديث واحد.
          في كتاب الجهاد، في باب اسم الفرس والحمار [خ¦2855] .
          ضعَّفه أحمد، وابن مَعِين، وقال النَّسائي: ليس بالقويِّ.
          قال ابن حجر(3) واعترض الدَّارَقُطْنِيُّ على البخاريِّ في إخراجه حديث أُبَيٍّ هذا، وقال: إنَّه ضعيف. قال ابن حجر: لكن تابعه عليه أخوه عبد المُهَيمن بن العبَّاس. فَتَقَوَّى.
          وروى له التِّرمذيُّ وابنُ ماجه.
          - فائدة عظيمة النَّفع:
          وهي أنَّك تسمعهم لا يقبلون الجرح تارة إلَّا بتفسير، ويقبلون تارة مطلقاً، ويردُّون تارة مطلقاً، فالقاعدة في ذلك _كما قال السُّبكيُّ(4)_ [أنَّ] المشهور بالعلم والدِّيانة والفقه، كالشَّافعيِّ، ومالك، فإنَّه ثبتت عدالتُهما، وصحَّت معرفُتهما، واشتدَّت بالعلم عنايتُهما: لم يُلتَفت فيه إلى قول أحد إلَّا أنْ يأتي في جرحه ببيِّنة عادلة على طريق الشَّهادة.
          قال ابن عبد البرِّ: ومما نُقم على ابن مَعِين، وعِيب عليه قولُه في الشَّافعيِّ ما هو بريء من عُهدته.
          قال السُّبكيُّ: ولا يُلتفت إلى كلامه، ولو فسَّر وأتى بألف إيضاح، وإن كان إماماً مُقْتدىً؛ لقيام القاطع على أنَّه غير مُحِقٍّ بالنِّسبة إلى الشَّافعيِّ، ولذا قال الإمام أحمد: من أين يعرف يحيى بنُ مَعِين الشَّافعيَّ؟! الشَّافعيُّ كالشَّمس للنَّاس، والمطر للخَلق في اليأس(5) هو لا يعرف الشَّافعيَّ، ولا يعرف ما يقوله، ومن جهل شيئاً عاداه.
          وقال السُّبكيُّ: قد قيل: إنَّ ابنَ مَعين لم يُرِد الشَّافعيَّ، إنَّما أراد ابنَ عمِّه، وبتقدير إرادته، فهو عارٌ عليه، وقد كان في بكاء ابن مَعِين على إجابته المأمونَ(6) في خَلق القرآن ما يشغله عن الشَّافعيِّ.
          وهكذا لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذِئب، وإبراهيم بن سعد، وغيرهما(7) في مالك بن أنس، فإنَّه قد قضى الوَطَر منه، فمن تكلَّم فيه وفي أمثاله، فقد تعرَّض / للمَقْت والانتقام، وإلَّا فلو(8) فتحنا هذا الباب، وقدَّمْنا الجرح على التَّعْديل على إطلاقه، لَمَا سَلِمَ لنا أحد من الأئمَّة؛ إذ ما من إمام إلَّا وقد طَعَن فيه طاعنون، وهَلَك فيه هالكون؛ إمَّا من تعصُّب مذهبيٍّ أو غيره.
          قال ابن عبَّاس: اسمعوا علمَ العلماء، ولا تصدِّقوا قول بعضهم في بعض، فوالَّذي نفسي بيده لَهُمْ أشدُّ تغايراً من التُّيوس(9) في زُرُبها.
          قال ابن وَهْب: لا تجوز شهادة القارىء على القارىء _يعني العلماء_ لأنَّهم أشدُّ النَّاس تحاسداً.
          وقال مالك بن دينار: يؤخذ بقول العلماء والقُرَّاء في كلِّ شيء إلَّا أقوالَ بعضهم في بعض.
          قال السُّبكيُّ: مَثَل من تكلَّم في مالك والشَّافعيِّ ونظائرهما، كقول الأعشى(10) _أي من البحر البسيط_:
كَنَاطحٍ صَخْرةً يوماً لِيُوهِنَهَا                     فلم يَضِرْها وأَوْهَى قَرْنَه الوَعِلُ
          وكقول غيره(11) منه أيضاً:
يا ناطحَ الجبلِ العالي لِيَكْلِمَهُ                     أشفقْ على الرَّأسِ لا تُشفِقْ على الجَبَلِ
          ولقد أحسن أبو العتاهية _من البحر الطَّويل_ حيث قال(12)
ومن ذا الذي يَنْجُو من النَّاس سالماً                     وللنَّاس قالٌ بالظُّنون وقيلُ
          ولقد صدَقَ أبو الأسود الدُّؤَليُّ(13) _من الكامل_:
حَسَدوا الفتى إذ لم ينالُوا سَعْيَهُ                     فالقومُ أعداءٌ له وخُصومُ
كَضَرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجهِها                     حَسَداً وبُغْضاً إنَّه لَدَميمُ(14)
          فهذا النوع مردود مُطْلقاً.
          وإن كان الجارح إماماً عالماً خالياً عن التعصُّب المذهبيِّ وغيره، والمجروح غير مرجَّح بالعدالة خَفِيَّ السِّيرة، فجرحه مقبول مقدَّم على التَّعديل، كقول ابن مَعِين في إبراهيم بن شُعيب المَدَنيِّ_شيخٌ روى عنه ابن وَهْب_(15): إنه ليس بشيء. وفي إبراهيم بن يَزيد المَدَنيِّ: إنَّه ضعيف. وفي الحُسين بن الفَرَج الخيَّاط: إنه كذَّاب يسرق الحديث.
          قال السُّبْكيُّ: وإن لم يبيِّن الجرح؛ لأنَّه إمام مقدَّم في هذه الصِّناعة، جَرح طائفةً غيرَ ثابتي العدالة.
          والجرح _إن(16) كان المجروح ثابتَ العدالة_ فلا يُقبل الجرح إلَّا بتَفَسُّرٍ(17) لأنَّ أسباب الجرح مختلف فيها بينهم، فإنَّ شُعبة جَرح شخصاً، فقيل له في ذلك، قال: لأنَّي رأيته يُرْكِضُ فرساً(18)


[1] في (س): (أمه)، وهو تصحيف.
[2] شرح البخاريِّ:12/ 139.
[3] مقدمة الفتح: ص389.
[4] طبقات الشَّافعيَّة الكبرى:2/ 9-22، والفائدة ملخَّصة كلُّها منه.
[5] في (ن) تصحيفاً: (البأس)
[6] في (ن) تصحيفاً: (الملهوف).
[7] في (ن) تصحيفاً: (وعنهما).
[8] في غير (ن): (لو).
[9] في (ن) تصحيفاً: (النفوس).
[10] البيت في ديوانه: ص46.
[11] البيت للحسن بن حميد، وهو في طبقات الشافعية مع الخبر والأبيات 2/11.
[12] في ديوانه:317.
[13] البيتان ضمن قصيدة كاملة أوردها البغدادي في خزانة الأدب:3/276، والبيت الأول في طبقات الشافعية الكبرى:2/11.
[14] في (ن) تصحيفاً: (لذميم).
[15] تحرفت العبارة في (ن) إلى: (شيخ روي عنه قال ابن وهب).
[16] في (ن): (وإن).
[17] في غير (ن): (بتفسير).
[18] هكذا العبارة في جميع النسخ والرواية في المصادر (رأيته يركض على برذون) ينظر الكفاية للخطيب البغدادي: ص110.