غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أبي بن كعب

          27 # أُبَيُّ بنُ كَعْب بن قيس بن عُبيد أبو الطُّفْيل، وأبو المُنْذِر الأنصاريُّ الخَزْرجيُّ النَّجَّاريُّ _بفتح النُّون وشدَّة الجيم_ الصَّحابيُّ.
          رُوي له عن النَّبيِّ صلعم مئة وأربعة وستُّون حديثاً، ذكر البخاريُّ منها سبعة أحاديث.
          كان رجلاً قصيراً نَحيفاً أبيضَ الرَّأس واللِّحية، لا يغيِّر شيبته(1)
          شهد العَقَبة الثَّانية وبدراً، وما بعدها من المَشاهد، وكان كاتب الوحي، وهو أحدُ السِّتَّة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلعم، وأحدُ الفقهاء الذين كانوا يُفتون على زمنه أيضاً، وأَقْرأُ الصَّحابة / لكتاب الله.
          وقال رسول الله صلعم: «أمرني الله أنْ أقرأ عليك القرآن»(2) ولم يشاركه أحد في هذه المَنْقَبة، وفي روايةٍ: «أن أقرأ عليك { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا } [البينة:1] فقال: سمَّاني الله تعالى؟ فقال: نعم. فجعل أُبَيٌّ يبكي»(3) قال عبد الرَّحمن بن أَبْزَى: قلت لأُبَيٍّ: وفرحتَ بذلك؟ قال: وما يمنعني وهو يقول: { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58] ؟!(4) [والغرض من هذا أنْ يُبيِّن استحباب عرض القرآن على حفَّاظه المجوِّدين لأدائه، وإن كانوا دونه في النِّسبة والدِّين والفضيلة، وأنْ يُنبِّه النَّاس على فضيلة أُبيٍّ، ويَحْتِم على الأخذ عنه، وتقديمه في ذلك، وكان كذلك، فصار رأساً وإماماً فيه، ومشهوراً به] .
          كنَّاه عُمر: أبا الطُّفيل، وكان يقول: هو سيِّد المسلمين.
          وسمَّاه رسول الله صلعم: سيِّد الأنصار، قال النَّبيُّ صلعم: «أَرْحَمُ (أُمَّتي) بأمَّتي أبو بكر، وأَشدُّهم في دينِ الله عُمر، وأَصدقهم حياءً عثمان، وأَعلمهم بالحلال والحرام مُعاذ بن جَبَل، وأَفْرَضُهم زيد بن ثابت، وأَقرؤهم أُبَيُّ بن كَعْب، ولكلِّ أمَّة أَمين، وأَمين هذه الأمَّة أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاح»(5)
          قال زِرُّ بن حُبَيْش: لزمت أُبَيَّاً، وكانت فيه شَرَاسة، فقلت له: اخفضْ جَنَاحك رحمك الله، قال: إنِّي سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } [الفتح:26] هي شهادة أن لا إله إلَّا الله.
          قال ابن الأثير(6) أصحاب القضاء من أصحاب النَّبيِّ صلعم: عُمر، وعليٌّ، وعبدُ الله، وأُبَيٌّ، وزَيد، وأبو موسى. قال الواقديُّ: أوَّل مَن كَتَب لرسول الله صلعم مَقْدمَهُ المدينة أُبيُّ بن كَعْب. قيل: أوَّلُ من كَتَب في آخر الكِتَاب: وكتب فلان، أُبَيُّ بن كَعْب. وعَدَّ في «أسد الغابة» في هذه التَّرجمة كُتَّاب رسول الله صلعم فراجعه.
          سمع: رسولَ الله صلعم.
          وروى عنه: أبو أيُّوب، وابن عبَّاس، وسُوَيد بن غَفَلَةَ، وعبد الرَّحمن بن الأَسْود، وغيرهم، لكن في غير صحيح البخاريِّ، نحو عُبادة بن الصَّامت، وعبد الله بن خَبَّاب، وابن أبي الطُّفَيل.
          وروى عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع: أوَّلها تعليقاً في قصَّة موسى مع الخضر(7) [خ¦74] ، وموصولاً في آخر باب الغسل [خ¦293] .
          توفِّي سنة تسع عشرة، أو عشرين، أو ثنتين وعشرين، أو ثلاثين، أو اثنتين وثلاثين ☼، ودفن بالمدينة.


[1] في غير (ن): (شيبه).
[2] أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (20212) ولفظه: «أمرني أن أعرض القرآن عليك».
[3] أخرجه البخاري برقم (3525).
[4] الحديث أخرجه الإمام أحمد برقم (20213).
[5] أخرجه الترمذي برقم (3723)، وهو عند أحمد في المسند مع تقديم وتأخير برقم (13479).
[6] جاء في حاشية (ه) عنوان جانبي: (مطلب أصحاب القضاء)، وقول ابن الأثير في أسد الغابة:1/62.
[7] الحديث ليس معلقاً عن أبي بن كعب؛ بل هو من رواية ابن عباس عنه، وساق البخاري سنده إلى ابن عباس، وما أظن المصنف إلا قد اعتراه الوهم في هذا.