غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أيوب بن أبي تميمة

          127 # أيُّوب بن أبي تَمِيمة _بالمثنَّاة الفوقانيَّة المفتوحة، وكسر الميم، اسمه: كَيْسَان_ السَّخْتِيانيُّ، بفتح المهملة، وسكون المعجمة، وكسر المثنَّاة التَّحتانيَّة.
          منسوب إلى عمل السَّخْتِيَان وبيعها، وهي الجلود الضَّأنيَّة، ليس بأَدَم، يعني(1) المدبوغة. قاله ابن السَّمعانيِّ(2)
          لكن المعروف أنَّ السَّخْتِيَان جِلْد المَعْز المدبوغة، وجلد الضَّأنيَّة الحور، بالمهملة والرَّاء، فتأمَّل.
          قال الكِرْمَانيُّ(3) الظَّاهر أنَّه فارسيٌّ معرَّب. انتهى.
          هو أبو بكر البصريُّ التابعيُّ، مولى العَنَزة(4) من أهل البصرة.
          كان ممَّن اشتهر بالفضل والعلم والفقه والنُّسك (والعبادة) والحفظ والإتقان، والصَّلابة في السُّنَّة، والقمع لأهل البدع.
          قال شُعْبة: أيُّوب سيِّد الفقهاء.
          قال الحسن البصريُّ: أيُّوب سيَّد الفتيان.
          قال ابن السَّمْعانيِّ: كان الحسن يقول: أيُّوب سيِّد شباب أهل البصرة. ولعَمري كان من ساداتها فقهاً وعلماً وفضلاً وورعاً.
          وقال الكَلَاباذيُّ(5) / يقال(6) إنَّه مولى لبني تَميم، وكان ينزل في بني حَرِيش بالبصرة. سمع عمرو بن سَلَمة، وأبا عثمان النَّهْديَّ، والحسن البصريَّ، ومحمَّد بن سيرين، وعطاء، وأبا قِلَابة.
          قلت(7) وسعيد بن جُبير.
          قال ابن السَّمعانيِّ(8) قد قيل: إنه سمع أنس بن مالك. قال أبو حاتِم: ولا يصحُّ ذلك عندي.
          قال الكَلَاباذيُّ: روى عنه شُعبة، ومالك، وابن جُريج، وجَرير بن حازم، ووُهَيب، وحمَّاد بن زيد.
          قلت: ومَعْمَر، وإسماعيل بن عُلَيَّة.
          روى عنه البخاريُّ في مواضع، أوَّلها: في باب حلاوة الإيمان، من كتاب الإيمان [خ¦16] .
          قال سُفيان بن عُيينة: لقيتُ ستَّة وثمانين من التَّابعين، وما لقيت فيهم مثلَ أيُّوب.
          قال أبو عبد الله(9) كنَّا عند الحسن، وعنده أيُّوب، فسأله عن شيءٍ، ثمَّ قام، فأَتبَعه بصرَه، حتَّى إذا كان لا يسمع، قال: هذا سيِّد الفتيان.
          وكان ثبتاً في الحديث، جامعاً، كثير العلم، حجَّة، عدلاً، وهو أثبت من ابن عَوْن، وأكبر من سُليمان التَّيْميِّ، ولا يبلغُ التَّيميُّ منزلةَ أيُّوب، وما كان أحد أطلبَ لحديث نافع منه ولا أعلم.
          له نحو ثمان مئة حديث. قال ابن عُلَيَّة: كنَّا نقول: أحاديث أيُّوب ألفا حديث، فما أقلَّ ما ذهب عنِّي منها!
          قال حمَّاد بن زيد: أيُّوب أفضل مَن جالستُه، وأشدُّه اتِّباعاً للسُّنَّة.
          وجعَلَ(10) سالمُ بن عبد الله يَسأل عن منازل البصريِّين: هل قَدِم أيُّوب؟ فلمَّا رآه جَمَح(11) إليه، فعانقه وضمَّه إليه، وإذا رجل حسن، عليه ثياب حسنة، فقلت: مَن هذا؟ قال(12) سالم بن عبد(13) الله بن عمر.
          حُكي أنَّه قال: خرجتُ مرَّة بالبصرة، وإذا بجنازة، فسألت بعضهم: مَن هذا؟ (فقال): فلان. رجلٌ كنت أعرفه مُسْرِفاً، فتنحَّيْتُ(14) عن الطَّريق؛ كراهيةَ أن أصلِّي على هذا المُسْرِف، فرأيته(15) تلك اللَّيلة في المنام، وإذا به يتبختر في الجِنَان، فقلت: مِن أين لك هذا وأنت وأنت؟! قال: بإعراضِك عنِّي قَبِلَني ربِّي، وناولني كتاباً، وإذا فيه: { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا } [الإسراء:100] . فسبحان الملك المنَّان.
          روى الأَصمعيُّ قال: أتى أعرابيٌّ بابَ مَعْن بِن زائدةَ باليمن، وفي يده عرصة، والعَرْصة جلد كالنِّطْع الصَّغير يُعْمَل للصِّبيان، وهي(16) كانت تجارة أيُّوب السَّخْتِيَانيِّ، وفيها صبيٌّ، فاستأذن / على مَعْنٍ، فبلَّغه حُجَّابُه مكانَه، فأذن له، فلمَّا دخل عليه دَهْدَه الصَّبيَّ بين يديه، ثمَّ أنشأ يقول _من البحر البسيط_:
سَمَّيتُ مَعْنًا بمَعْنٍ ثمَّ قلتُ له                     هذا سَمِيُّ فتىً في النَّاس محمودِ
أنتَ الجوادُ ومنك الجُودُ أوَّلُهُ                     فإنْ هَلكتَ فما جُودٌ بموجودِ
أَمستْ يمينُك من جودٍ مصوَّرةً                     لا بلْ يمينُك منها صُورةُ الجُودِ
          فقال مَعْنٌ: يا غلام، أعطِه ثلاث مئة دينار بهذه الثَّلاثة الأبيات، ولو كنتَ زِدتَنا لزدناك.
          فقال: حَسْبُك ما سمعتَ، وحَسبْي ما أخذتُ.
          توفِّي (أيُّوب) في الطَّاعون، سنة إحدى وثلاثين ومئة.
          ولد سنة ثمان وستِّين، أو: ستٍّ.


[1] في (ن) تصحيفاً: (ثقي).
[2] في (ن) تصحيفاً: (قال) وانظر الأنساب:3/232.
[3] شرح البخاريِّ:1/ 99.
[4] في (ن) تصحيفاً: (لغنزة).
[5] الهداية والإرشاد:1/ 81، نقلًا عن ابن سعد، وعن الفلَّاس.
[6] في (ن) تصحيفاً: (فقال).
[7] في (ن) تصحيفاً: (همت).
[8] الأنساب:3/ 232، وأبو حاتم المنقول كلامه هو ابن حبَّان، انظر الثَّقات:6/ 53.
[9] هو ميمون القصَّار، انظر تهذيب الكمال:3/ 460.
[10] في (ن): (وحمل سالم بن عبد الله فسأل).
[11] في (ن) تصحيفاً: (فلما راجح).
[12] في غير (ن): (قالوا).
[13] في (ن) تصحيفاً: (سالم بن عبيد).
[14] في (ن) تصحيفاً: (فنحيت).
[15] في (ن): (فرأيت).
[16] في (ن) تصحيفاً: (ومتى)