غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

إبراهيم بن محمد بن الحارث

          17 # إبراهيم بن محمَّد بن الحارث بن أسماء أبو إسحاق الفَزَاريُّ _بفتح الفاء، وخفَّة الزاي آخرها راء_ المِصِّيْصِيُّ، سكن الشام.
          وسمع: حُميداً الطَّويل، وموسى بن عُقْبة، وأبا طُوَالة، ومالكَ بن أنس.
          وروى عنه: عاصم بن يوسف، ومعاوية بن عَمْرو، ومحمَّد بن سَلَام، ومحمَّد بن عُقْبَة.
          وروى عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضعَ من صحيحه، أوَّلها في آخر كتاب الغُسْل(1) [خ¦940] ، ذَكَره بكُنيته أبي إسحاق، ونسبتِه.
          قال عطاء: كتب الأَوزاعيُّ إلى إبراهيم، فقال للكاتب: ابدأ باسمه، فإنه واللَّهِ خير منِّي. وكذلك عن الثوريِّ.
          قال أبو صالح: لقيت الفُضَيل(2) بن عِيَاض، فعزَّاني بإبراهيم. قال: ربَّما اشتقت إلى المِصِّيْصَة، ما بي فَضْل الرِّباط، لكن أرى إبراهيم.
          وحدَّث الأوزاعيُّ بحديث، فقال رجل: مَنْ حدَّثك يا أبا عمرو؟ قال: حدَّثني الصَّادق المصدوق إبراهيم الفَزَاريُّ.
          قال أبو صالح: سألت ابنَ عُيينة قلت: سمعتُ حديثاً رواه إبراهيم عنك أُحِبُّ أن أسمعه منك. فغضب، وانتهرني، وقال: لا يُقْنعكَ(3) أن تسمعه من إبراهيم؟! والله ما رأيتُ أحداً أقدِّمه عليه، كان إماماً.
          قال عليُّ بن بَكَّار: لقيتُ الرِّجال الذين لقيَهم إبراهيم، والله ما رأيت فيهم أفقهَ منه.
          قال أحمد بن عبد الله: نزل إبراهيم الثَّغْر بالمِصِّيصَة، وكان ثقةً صالحاً(4) صاحبَ سنَّة، وهو الذي أدَّب أهل الثَّغْرِ(5) وعلَّمهم السُّنَّة، وكان يأمر وينهَى، وإذا دخل الثَّغْرَ مبتدع أخرجه، وكان كثيرَ الحديث، وله فِقْه. أَمر سلطاناً ونهاه، فضربه مئتي سَوْط، فغضب له الأوزاعيُّ، وتكلَّم في أمره.
          قال النَّسائيُّ: (ثقةٌ)، أحدُ الأئمَّة بالشَّام.
          مات بالمِصِّيصَة سنة خمس، أو ستٍّ أو ثمانٍ وثمانين ومئة.
          - فائدة:
          مِصِّيصة بلدة كبيرة على ساحل بحر الشَّام، واختُلف في ضبطها، فعن الفارابيِّ أبي نَصْر(6) في ديوان الأدب(7) بفتح الميم، وخفَّة(8) المهملة، ووافقه ابنُ أخته الجَوهريُّ في صَحَاحه(9) فقال: المَصِيْصَة بلد بالشَّام، ولا تقل بالتَّشديد. اقتدى بهما في القاموس، فقال: مَصِيْصَة، كسَفِينة مدينة بالشَّام، ولا تُشدَّد.
          وخالف ابنُ السَّمعانيِّ في الأنساب، فقال(10) الصَّواب كسر الميم، والنِّسبة: مِصِّيْصِيٌّ بكسر الميم، وسكون الياء المثنَّاة التَّحتانيَّة بين المهملتين الأُولى منهما مُشدَّدة.
          قال ابن السَّمْعانيِّ: ولمَّا أمليتُ ببخارى حديثاً عن أبي القاسم عليِّ بن محمَّد / المِصِّيْصِيِّ، حضر المجلسَ الأديبُ الفاضل أبو تُراب عليُّ بن طاهر التَّميميُّ، فلمَّا فرغت من الإملاء، قال لي: المَصِيْصِيُّ(11) _بفتح الميم من غير تشديد المهملة_ فقلت: كان شيخنا إسماعيلُ بن محمَّد الحافظُ يروي كما تقول، ولكنْ ما وافقه أحدٌ على هذا، ورأيتُ في كتب القدماء بالكسر والتَّشديد، وكذلك سمعتُ شيوخي بالشَّام، خصوصاً فقيهَ أهلِ الشَّام أبا الفَتْح نَصْرَ الله بن محمَّد المِصِّيصيَّ، قال: فأخرج الأديب ديوان الأدب للفارابيِّ، وفيه: المَصِيصة بلد، فقلت: لا أقبل؛ فإنَّ الفارابيَّ من أهل بلدكم، والمِصِّيصة بالشَّام، فلعلَّه غلط، وأهل تلك البلاد لا يذكرونها إلَّا بالكسر والتَّشديد. قال: وكنت سمعت عبد الرَّزَّاق بن محمَّد الطِّيْبِيَّ يقول: سمعت أبا عليٍّ الحَسَنَ بن محمَّد المَالَقِيَّ يقول: إنِّي دخلتُ هذه البلدة، وسمعتهم يقولون بالفتح والتَّخفيف، والكسر والتَّشديد. قال: ولمَّا سمع أبو الفضل محمَّد بن ناصر ببغداد منِّي(12) أَنكر غايةَ الإنكار، وقال: لا تُعرف هذه إلَّا بالكسر والتَّشديد، وهكذا رَأَيْنا في غير موضع بخطِّ أبي بكر الخطيب، وأبو عليٍّ المَالَقِيُّ لمَّا دخلها كان قد استولى الفِرَنْجُ(13) عليها، ولم يبقَ فيها أحد من المسلمين، ولمَّا سألهم رأى الأكثرين على الكسر والتشديد.
          قلت: قول (ابن) السَّمْعانيِّ: إنَّ الفارابيَّ بلديُّكم، أيْ من بلاد خُراسان، صحيح، لكن وَرَدَ دمشقَ، واجتمع بسيف الدَّولة ابن حَمْدان، وجرى معه قصَّة لطيفة استوفاها ابنُ خَلِّكان(14) وتوفِّي بها سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة(15) وكان أزهدَ النَّاس في الدُّنيا، لا يستقرُّ إلَّا في مُجتمَع الأشجار، ومَسْجَع الأطيار، ومَجْرى الأنهار، فلعلَّه صحَّح الاسم(16) وما قال إلَّا عن رَوِيَّةٍ كما هو الظَّنُّ به، فإنَّه كان مُتْقِناً، قرأ كتبَ أَرِسْطَ(17) طاليس كلَّها، ورُئي(18) بخطِّه مكتوباً على كتاب من كتبه: إنِّي قرأتُ هذا الكتابَ مئتَي مرَّةً، وأرى أنِّي محتاج إلى قراءته بعد. وهو الذي زاد(19) تلازم الشَّرْطِيَّات في المنطق، ⌂.


[1] هو في آخر كتاب الجمعة لا الغسل.
[2] في (ن) تصحيفاً: (الفضل).
[3] في (ن) تصحيفاً: (لقنعك).
[4] في (س): (صالح).
[5] في (ن) تصحيفاً: (الصغر).
[6] وهم المؤلف البازلي ☼ فخلط بين أبي نصر الفارابي الفيلسوف المتوفى سنة 339ه_وبين أبي إبراهيم الفارابي اللغوي صاحب ديوان الأدب المتوفى سنة 350ه_ على المشهور الراجح، فجعل ديوان الأدب لأبي نصر الفيلسوف، والحق أنه لأبي إبراهيم الفارابي خال الجوهري حيث قرأه عليه بفاراب، وأنه كتب نسخة منه بيده، والفارابي من أقران الأزهري، وقد تابع المؤلف في هذا الخلط ابن الأنباري في كتابه نزهة الألباء حيث كناه بأبي نصر، ومن بعده أبو حَيَّان الأندلسي، والصفدي في الوافي بالوفيات، وترجع أسباب الخلط لاشتراكهما في الاسم.
[7] 3/82.
[8] في (ن) تصحيفاً: (خف).
[9] 3/1057.
[10] الأنساب:5/ 315.
[11] في (ن) تصحيفاً: (المصيص).
[12] في (ن): (من) والمثبت أولى.
[13] في (س): (الافرنج).
[14] وفيات الأعيان:5/155.
[15] انظر الحاشية السابقة في وهم البازلي ☼. [يقصد بها الحاشية التي تلي قوله فائدة قبل صفحتين]
[16] في (ن) تصحيفاً: (صحيح الجسم).
[17] في غير (ن): (أرسطا).
[18] في (ن) تصحيفاً: (وروى).
[19] في غير (ن): (سمَّى).