غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

إياس بن معاوية بن قرة

          124 # إياس بن مُعاوية بن قُرَّةَ بن إياس بن هِلَال المُزَنيُّ.
          كان صادق الظَّنِّ، لطيفاً في الأمور، مشهوراً بفرط الذَّكاء، وبه يُضرَب(1) المثل في الذَّكاء(2) وإيَّاه عَنَى الحَرِيريُّ(3) في المَقَامة السَّابعة(4) حيث قال: فإنَّ أَلْمعِيَّتي(5) ألْمَعِيَّةُ ابن عبَّاس، وفِرَاستي فِرَاسَةُ إياس.
          وكان عمر بن عبد العزيز قد أرسل قاصداً، وأَمَره أن يَجمع بين إياس والقاسم بن ربيعة، ويولِّي القضاءَ أنفذَهما، فلمَّا جمعهما قال إياس للقاصد بعد أن أَبَى: اسأَلْ فَقيهَي المِصر الحسنَ البصريَّ ومحمَّدَ بن سِيرين، فمَن أشارا عليك به فولِّه(6) وكان القاسم يأتي الحسنَ وابنَ سيرين، ولم يكن يأتيهما إياس، فعلم القاسم أنَّهما يشيران(7) عليه، فقال: لا تسألهما، فوالله إنَّ إياساً لأفضل مِنِّي وأعلم بالقضاء، فإنْ كنتُ صادقاً عندك، فيجب عليك أن تقبلَ قولي، وإن كنتُ كاذباً، فما يَحِلُّ لك أن تولِّيني. فأخبر القاصدُ إياساً بما قال، فقال إياس: أنت أتيتَ برجل، فأقمتَه على شَفير جهنَّم، فافتدى(8) نفسَه بيمين كاذبةٍ، فيستغفر ويكفِّر، وينجو منها. فقال القاصد: إذْ فطِنتَ لذلك، فأنتَ أهلٌ للقضاء، وإني ولَّيتك.
          قال صالح بن سليمان: رأيتُ عقول النَّاس متقاربة، إلَّا ما كان من الحَجَّاج بن يوسف، وإياس بن معاوية.
          وكان سريعَ القضاء بين الغرماء، فقيل له: فيكَ خصال قبيحة: دَمامة(9) خَلْقك، وكَثرة كلامك، وإعجابك بنفسك، وتعجيل القضاء. فقال: أمَّا الدَّمَامة(10) فأمرُها إلى الله، وأمَّا الكلام، فبصوابٍ أتكلَّم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصَّواب(11) أَمْثل، وأمَّا إعجابي بنفسي، أيعجبكم ما تَرَون مِنِّي؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أحقُّ أنْ أُعجَب بنفسي، وأمَّا تعجيل القضاء، فكم هذه؟ وأشار بأصابعه الخمسة(12) فقالوا: خمسة. قال: استعجلتم، هل(13) عددتم؟ قالوا: لِمَ نعدُّ شيئاً علِمناه؟! قال: فلمَ أتأمَّل فيما تبيَّن حكمُه لي؟!
          قيل لوالد إياس: كيف ابنُك(14) لك؟ قال: كَفَاني أمرَ الدُّنيا، وفرَّغني للآخرة.
          وكان إياس جدُّه الأعلى صحابيًّا.
          دخل على إياس بن معاوية أربع نسوة، فلمَّا ذهبن قال: إحداهنَّ حامل، والأخرى مُرضع، والأخرى ثيِّب، والأخرى بِكْر. فنظروا، فوجدوه كذلك، فقالوا: من أين لك ذلك؟ قال: أمَّا الحامل، فكانت تكلِّمني، وكانت ترفع ثوبها عن بطنها، والمرضع تضرب ثديها(15) والثيِّب تكلِّمني وعينُها في عيني، والبكر مطرقة في الأرض.
          وله غرائب كثيرة تدلُّ على فطنته، منها(16) أنَّه سمع نباح كلب، فقال: إنَّه مربوط. ثمَّ سمع، فقال: قد أُرسل. وكان كذلك، فسئل قال: لأنِّي كنت أسمع الصَّوت من مكان واحد، ثمَّ من أَمكِنةٍ.
          وسمع نباح كلاب، فقال: فيها كلب غريب. فكان(17) كذلك، وسئل عن (ذلك)، فقال: لخضوع(18) صوته، وشدَّة صوت الباقين.
          نقل البخاريُّ عن إياس في باب إذا استأجر أرضاً، من(19) كتاب الإجارة [خ¦قبل 2285](20)
          وكنيته أبو واثلة.
          يَروي عن سعيد بن المسيَّب، وأَبيه(21)
          روى عنه: شُعبة، وابنُ عَجْلَان(22)
          توفِّي سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومئة.


[1] في غير (ن): (يضرب به).
[2] في (ن) تصحيفاً: (الزكاء).
[3] في (ن): (وعن الحريري).
[4] هي المقامة البَرْقَعِيْدية. انظر شرح مقامات الحريري للشريشي:1/86، وقد سقط اسم (إياس بن معاوية) من (س)، وجاء اسم جد إياس في (ه) و(س): (مُرَّة) وهو تصحيف.
[5] في (ن) تصحيفاً: (فإذا ألمعية).
[6] في (ن) تصحيفاً: (قوله).
[7] في (ن) تصحيفاً: (يشيراني).
[8] في (ن) تصحيفاً: (ففتدى).
[9] في (ن) تصحيفاً: (ذامة) وفي في كل النسخ بالذال المعجمة والمثبت هو الوجه.
[10] في (ن) تصحيفاً: (الزمامة) وفي سائر النسخ بالذال.
[11] سقطت (من الصواب) من (س).
[12] سقطت (الخمسة) من (س) وفي (ه) (الخمس).
[13] في غير (ن): (هلا).
[14] سقطت (ابنك) و(دخل) من (س).
[15] في غير (ن): (ثدييها).
[16] سقطت (منها) من (س).
[17] في غير (ن): (وكان).
[18] في (ن) تصحيفاً: (بقال بخضوع).
[19] في (ن): (في).
[20] ونقل عنه أيضًا في كتاب الأحكام، في باب الشَّهادة على الخطِّ المختوم، قبل رقم (7162).
[21] في (ن) تصحيفاً: (وابنه).
[22] في (ن) تصحيفاً: (شعبة ابن عجلان).