غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

إبراهيم بن الحارث

          4 # إبراهيم بن الحارث _بالمثلَّثة، البغداديُّ. سكن نَيْسَابُور، بفتح النون_
          سمع: يحيى بن أبي بُكَير _تصغير بَكْر_، الكِرْمانيُّ قاضي كِرْمان.
          روى عنه البخاريُّ بلا واسطة، في كتاب الوصايا [خ¦2739] في ثاني الحديث، وفي تفسير سورة الحجِّ (أيضاً) [خ¦4742] .
          توفِّي سنة خمس وستِّين ومئتين، وهذا من النَّادر، فإنَّه عاش بعد موت البخاريِّ تسع(1) سنين، وسيأتي من مشايخه من عاش بعده، محمَّد(2) بن يحيى الذُّهليِّ عاش بعده سنتين.
          فائدة: بغداد فيها اثنتا(3) عشرة لغة: إهمال الدَّالين، وإعجامهما، وإهمال الأولى، وإعجام الثَّانية، وعكسه، وبَغدان بإهمال الدَّال، وإعجامها، وبالنُّون فيهما، وبَغْدِين كذلك، ومَغْداد، ومَغْدان، ومَغْدام، وبَهْداد، وهو اسمٌ للبلدة المشهورة.
          قال ابن السَّمْعَانيِّ(4) إنَّما سمِّيت به؛ لأنَّ كِسْرَى أهدى(5) إليه خَصِيٌّ من المشرق، فأقطعه بغداد، وكان لهم صنم يعبدونه بالمشرق يقال له: (البَغْ)، (ودَاذ) بالعجميَّة: العطيَّة، ومعناه: أعطاني الصَّنَم، ولهذا يكره الفقهاء هذا الاسم، وسمَّاها أبو جعفر الخليفة لما اختطَّها وزاد في خطَّتها: مدينة السَّلام؛ لأنَّ(6) دِجْلَةَ النَّهر المعروف يُسمَّى: وادي السَّلام، وكان ابن المبارك ينهَى أن يقال: بغذاذ بالمعجمة، قال: لأنَّ بَغْ شيطان، وذاذ عطيَّته، وأنَّه شِرْك، قال: ولكنَّه بالمُهملتين، وكذلك الأصمعيُّ كان ينهى عن ذلك، ويقول: مدينة السَّلام. وقال بعضهم: إن «بَغْ» بالمعجمة، معناه(7) البستان، و «داد» اسم رجل، ومعناه: بستان الرجل.
          وشرع أبو جعفر في بناء بغداد سنة خمس وأربعين بعد رجوعه / من الحجِّ، وذلك لأنَّه لمَّا ثارت(8) عليه الزَّيديَّة بالهاشميَّة بغض سُكْناها، ولم يأمن أهلَها، فأراد أن يبعد عنها، فاجتاز موضع بغداد، فأعجبه، فنزل وضرب معسكره(9) فجاءه راهب، فقال: ما تريد أن تصنع؟ قال: أبني ها هنا مدينة. فقال: لست صاحبها؛ لأنَّا نجد في كتاب عندنا أنَّه لا يبنيها إلَّا رجل يُدْعَى بمِقْلاص، يبني ها هنا مدينة تسمى: الزَّوْرَاء، فإذا أسَّسها، وارتفع بناؤها أتاه فَتْق من الحجاز، فقطع بناءها وأصلح الفَتْق، ثمَّ يعود إلى بنائها، ثمَّ يأتيه فَتْق من البَصْرة أعظم من الأوَّل، فلم يلبث الفَتْقان أن يلتئما، ثمَّ يعود إلى بنائها، فيُتمَّه، ثمَّ يُعَمَّر عُمراً طويلاً، ويبقى الملك في عَقِبهِ. قال أبو جعفر: أنا والله صاحبُها، وكنت أُدْعَى مِقْلاصاً، وأنا صبيٌّ، ثمَّ زال عنِّي.
          فابتدأ بعمارتها، وأمر باختيار قوم من أهل الأمانة والفقه، فأُحضِر له حَجَّاج بن أَرْطَأة، وأبو حنيفة الكوفيُّ، وأَمر بخطِّ المدينة، وحفر الأساس؛ وضرب اللَّبِن، وطبخ الآجر، فبدأ بالعمارة، وأمر بإحكام البناء، وأن يجعل عرض السُّور من أسفله خمسين ذراعاً، وأعلاه عشرون، وكان اللَّبِنةُ ذِراعاً في ذراع، فوضع بيده أولَ لَبِنةَ، وقال: بسم الله، والحمد لله { إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:128] ثمَّ قال: ابنوا(10) على بركة الله. فلمَّا بلغ السُّور مقدار قامة، جاء الخبر بظهور محمَّد بن عبد الله بن حسن من المدينة، وهو الفَتْق الأوَّل، فبعث جيشاً وقُتل محمَّدٌ(11) ثمَّ عاد للبناء، فظهر أخو محمَّدٍ إبراهيمُ، وهو الفَتْق الثَّاني، فقطع البناء، وقال: لا سبيل إلى شيء حتَّى أنظر أرأسُ إبراهيم لي أم رأسي له. فبعث عسكراً فانتصر، فعاد إلى البناء [وأتمَّها] في سنة تسع وأربعين ومئة، وسمَّاها مدينة السَّلام.
          قيل: ما مات بها خليفة قطُّ على كثرة الخلفاء.


[1] في (ن) تصحيفاً: (بتسع) والمثبت من غيرها.
[2] في غير (ن): (كمحمد).
[3] في (ن) و(ه): (اثنا) ورسمت في (س) هكذا (اثنى)، والمثبت هو الوجه، وزاد القزاز (بغدام) بالميم في آخره كما قال الزبيدي، تاج العروس (بغدد) والمثبت من (ف).
[4] الأنساب:1/ 372.
[5] في غير (ن): (أرسل).
[6] في (ن) تصحيفاً: (لا).
[7] سقطت (معناه) من (س).
[8] في (س): (سارت).
[9] في غير (ن): (فنزل بعسكره) وفي (س): (بعكسره) وهو سبق قلم.
[10] في (س) (ايتوني) وهو تصحيف.
[11] في (س) (محمداً).