غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

أسيد بن حضير

          112 # (أُسَيْدُ بنُ حُضَيْر(1) _بلفظ التَّصغير فيهما، والسِّين مهملة، وكذلك الحاء، والضَّاد معجمة، آخره راء، قال الكِرْمانيُّ: ورُوي بالنُّون بدل الرَّاء(2) قاله في أوَّل التَّيمُّم_ وهو ابن سِمَاك بن عَتِيْك بن امرىء القيس، الصَّحابيُّ، الأنصاريُّ، الأوسيُّ، الأَشْهَليُّ، أبو يحيى، وأبو عيسى، كنَّاه بها رسول الله صلعم، وقيل: أبو عتيك. وقيل: أبو حُضَيْر. وقيل: أبو عمرو.
          وكان فارس الأوس في حروبهم مع الخَزرج، ورئيسَ الأوس يوم بُعَاث، وكان له حصنُ أَرقم.
          أسلَمَ على يد مُصْعَب بن عُمَير بعد العَقَبة الأُولى، أو قبل الثَّانية، قبلَ سعد بن معاذ، وسببُه: أنَّ أسعد بن زُرَارة طلب من رسول الله صلعم قارئاً يعلِّمهم القرآن، فبعث مُصْعَباً، فنزل على أسعدَ، وأسعدُ وسعد بن معاذ ابنا خالة، فبعث سعد أُسَيْداً، وقال: ائتِ أسعدَ، وقل له: يُخرِج هذا الرَّجلَ الذي يُسَفِّه أحلامنا، ويشتم إلهنا، وقد شتَّت شَملَنا. قال أُسيد: فأخذتُ حربتي، فأتيتهما، وهما في حائط، فقلت: أَلَا تَخرُجُ من بين أظهرنا؟ / فقال مُصعب: أَلَا تَنزل فتسمع شيئاً، إن أعجبَكَ وإلَّا ارتحلتُ وتركتُك؟ قال: لقد أنصفتَ. فغرزتُ حربتي، وقعدت إليه، فقرأ ما شاء الله، فقلت: كيف تفعلون إذا أردتم الإيمان؟ قال: نغتسل، ونقول: لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله. ففعل، ثمَّ قال: إنِّي باعثٌ إليكما سيِّدَ الوادي، وإذا آمن لم يتخلَّف عنه أحدٌ. فرجع، فلمَّا رآه سعد، قال لمَن حولَه: والله، إنَّ أُسيداً رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب، فقال سعد: ما وراءك؟ قال: ائتهما، وإنَّ القوم قد قصدوا قتل ابن خالتك إهانةً بك. قال سعد: كلَّا، لن يصلوا إلى ذلك. وأخذ حربته، وتوجَّه نحوهما. قال سعد: فلمَّا رأيتهما وحيدَين عرفت أنَّها مكيدة من أُسيد، فقلت لمُصعب: إمَّا تخرُج وإلَّا فعلتُ وفعلتُ؟ فقال: أَلَا تنزل، فإن سمعتَ شيئاً يعجبك وإلَّا تركناك وخرجنا؟ قال: لقد أنصفتَ. وغرز حربته، قال مُصعب: والله، لقد رأينا في وجهه الإيمان قبل أن ينطق بالإسلام، فقرأت عليه شيئاً من القرآن، فقال: كيف تفعلون إذا آمنتم؟ فعرَّفته الطَّريقة فأسلم، ثمَّ قال: قُوْما. فخرج حتَّى وقف على قومه، فقال: أيُّ رجلٍ فيكم أنا؟ قالوا: سيِّدنا وابن سيِّدنا. فقال: إنَّ كلام نسائكم ورجالكم وأحراركم وعبيدكم عليَّ حرامٌ، حتَّى تؤمنوا بما آمنت به. فلا والله لم يَبقَ دار من دور بني الأَشْهَل حتَّى دخلها الإيمان، ولم يَبق إلَّا مسلم ومسلمة، وقلَّ دار من دور الأنصار إلَّا دخلها الإسلام.
          قال ابن الأثير(3) كان أبو بكر يُكرِم أُسيداً، ولا يقدِّم عليه أحداً، ويقول: إنَّه لا خلافَ عندَه.
          وكان نقيباً لبني عبد الأَشْهل في العقبة الثَّانية، قال ابن إسحاق، والكَلبيُّ: إنَّه شهد بدراً. قال غيرهما: لم يشهدها. واتَّفقوا على أنَّه شهد المشاهد بعدَها كلَّها، وثَبَت مع رسول الله صلعم يوم أُحُد لمَّا انكشف النَّاس، وجُرح سبع جراحات، وكان صاحب راية الأوس يوم أُحُد، وشهد مع عمر فتح بيت المقدس، وآخى رسول الله صلعم بينه وبين زيد بن حارثة، وكان أحَد العقلاء الكُمَّل أصحاب الرَّأي، وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم.
          وكان / من أحسن النَّاس صوتاً بالقرآن، قال: قرأتُ ليلةً سورةَ البقرة، وفرسٌ لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريباً منِّي، فجالت الفرس، فقمتُ، وليس لي هَمٌّ إلَّا ابني، ثمَّ قرأتُ، فجالت، فرفعت رأسي، فإذا بشيء كهيئة الظُّلَّة في مثل المصابيح مُقْبِل من السَّماء، فهالني، فسكتُّ، فلمَّا أصبحتُ غدوت على رسول الله صلعم فأخبرته، فقال: «تلك الملائكة، دَنَوا لصوتك، ولو قرأتَ حتَّى تصبح لأصبحَ النَّاس ينظرون إليهم»(4)
          وقال رسول الله صلعم: «نِعْمَ الرَّجل أُسَيد بن حُضير»(5)
          قال أنس: كان أُسيد وعبَّاد بن بِشْر خرجا من عند النَّبيِّ صلعم في ليلة مظلمة، فإذا نورٌ يَسعى بين أيديهما حتَّى تفرَّقا، فتفرَّق النُّور معهما. رواه البخاريُّ [خ¦3805] ، وفي رواية: فأضاءت لهما عِصِيُّهما، فلمَّا تفرَّقا أضاءت لكلٍّ منهما عصاه(6)
          قلت: وهذا أدَلُّ دليلٍ على جواز ظهور الكرامات، خلافاً للمعتزلة، فإنَّهم أنكروها للالتباس بالمعجزات، والجواب: أنَّ صاحبَ المعجزة يدَّعي النُّبوَّة لنفسه، وصاحب الكرامة يُنكرها، وإنكارهم الكرامات دليل على أنْ لا وَلِيَّ فيهم، وذلك دليل على بطلان مذهبهم، فتأمَّل.
          قال ابن حزم: روى أُسيد ثمانية عشر حديثاً.
          وقال الكَلَاباذيُّ(7) روى عنه أبو سعيد الخُدْرِيُّ، وأنس بن مالك.
          روى عنه البخاريُّ بالواسطة، في فضائل القرآن [خ¦5018] ، والمناقب [خ¦3792] ، والفتن [خ¦7057] ، وأوَّل ما ذَكَره البخاريُّ تعليقاً(8) في أوَّل كتاب التَّيمُّم [خ¦334] .
          مات على عهد عمر، في شعبان، سنة عشرين، وحمل عمر سريرَه حتَّى وضعه بالبقيع، وصلَّى عليه، وأوصى إلى عمر، فنظر في وصيَّته، فرأى عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمرةَ نخلِه أربعَ سنين بأربعة آلاف، وقضى دَينه، ╠).


[1] سقطت ترجمته وترجمة أسير بن عمرو بعده من (ن) وأثبتت من (ه).
[2] في (ه) و(س): (بدل الواو)، وهو تصحيف، والذي في شرح البخاريِّ للكِرمانيِّ:3/ 211: (وفي بعضها [يعني بعض النُّسخ] : الحُضَير، باللام التعريفيَّة)، ولم يقل ما نقله المؤلِّف عنه، فيبدو أنَّ (الحُضير) تصحَّفت على المؤلِّف إلى (الحضين) فنقل الكلام على ما فهمه لا على وجه التنصيص، والله أعلم.
[3] أسد الغابة:1/ 143.
[4] هو بمعناه في البخاري باب نزول السكينة برقم (5018)، وأخرجه مسلم برقم (796)، والنسائي في الكبرى برقم (8016).
[5] مسند الإمام أحمد (9062). الترمذي (3728) وقال: حديث حسن.
[6] صحيح ابن حبان برقم (2032).
[7] الهداية والإرشاد:1/ 99.
[8] ليس تعليقاً بل موصولا من قول عائشة ♦ راوية الحديث.