غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

إبراهيم بن المنذر

          19 # إبراهيم بن المُنْذِر بن عبد الله بن المُنْذِر الحِزَاميُّ _ بكسر المهملة، وخفَّة الزَّاي آخرها ميم _القُرَشيُّ المَدَنيُّ.
          أحد الأئمَّة، وثَّقه ابن مَعِين، وابن وَضَّاح، والنَّسائيُّ، وأبو حاتِم، والدَّارَقُطْنيُّ، وتكلَّم فيه أحمد بن حنبل لكونه دخل إلى أحمد بن أبي دُؤاد(1)
          قال الكِرْمانيُّ(2) جاء إبراهيم إلى أحمد بن حنبل فاستأذن عليه، فلم يأذن له، فجلس حتَّى خرج، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه السَّلام، فقيل له: لِمَ ذلك؟ قال: لأنَّه خلَّط في القرآن.
          وقال السَّاجيُّ: عنده مَنَاكير.
          وتعقَّب ذلك الخطيبُ.
          قال ابن حجر(3) اعتمده البخاريُّ، وانتقى من حديثه، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، انتهى.
          روى له البخاريُّ في مواضع من غير واسطة، أوَّلُها: في أوَّل كتاب العلم [خ¦59] ، وروى له بالواسطة أيضاً في باب الاستئذان [خ¦6272] ، عن محمَّد بن أبي غالب، عن إبراهيم بن المنذر.
          قال الكَلَاباذيُّ(4) هو أبو إسحاق، سمع الوليدَ بن مُسْلم، وأنس بن عياض، ومعن بن عيسى الفَزَاريَّ، ومحمد(5) بن فُليح، وروى عنه محمَّد بن أبي غالب.
          قال السُّبكيُّ(6) هو إمام ثقة جليل، حدَّث عن سفيان بن عُيينة، وابن وهب، وابن أبي فُدَيك(7) وأبي حَمزة، والوليد بن مُسْلم، وخلق كثير، وروى عنه ابن ماجه، وبَقِيُّ(8) بن مَخْلَد، وابن أبي الدُّنيا، ومحمَّد بن إبراهيم البُوشَنْجِيُّ، ومُطَيَّن، وخلق(9) قال(10) صالح جَزرة: صدوق. قال أبو الفَتْح الأَزْديُّ: هذا في عداد أهل الصِّدق، وإنما حدَّث بالمناكير الشُّيوخُ الذين رووا عنه، فأمَّا هو فهو صدوق. قال السُّبكيُّ: وما قيل عنه في القرآن أرى أنَّ ذلك كان خوفاً، ولكنَّ الإمام أحمد شديدٌ(11) في دين الله، فجزاه الله خيراً عن الإسلام، ولو كلِّف النَّاس ما كلِّف عليه أحمد لم يَسْلَم إلَّا القليل.
          قال إبراهيمُ بن المنذر _هذا المترجَم_: سمعت الشافعيَّ يقول: رأيت سفيان بن عُيينة قائماً على باب كُتَّاب، فقلت: ما تعمل ههنا؟ قال: أحبُّ أن أسمع كلام ربِّي من هذا الغلام(12)
          قلت: إبراهيم هذا أيضاً ممَّن سمع الشَّافعيَّ، والبخاريُّ نقل عنه(13) وقد أكثرَ ☺ من النقل عن تلامذة الشَّافعيِّ، كما ستطَّلع عليه في تراجمهم، إن شاء الله، فإنَّ البخاريَّ تلميذ تلامذة الشَّافعيِّ.
          توفِّي إبراهيم سنة خمس أو ستٍّ وثلاثين ومئتين.
          وكان كثيراً يُنشد أبياتاً لعُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة الآتي ذِكرُه _من البحر الطَّويل_:(14)
كتمتَ الهوى حتَّى أَضَرَّ بكَ الهوى                      ولامَكَ أقوامٌ ولَوْمُهمُ ظُلْمُ(15)
ونمَّ عليك الكاشِحُون وقَبْلَهُ                     عليكَ الهوى قد نَمَّ لو ينفع النَّمُّ /
وزادَكَ إغراءً بها طولُ هَجْرِها                     عليكَ وأَنْكَى لَحْمَ أَعْظُمِك الهَمُّ
ألَا [يا] لَنَفْسٍ لا تموتُ فينقضي                     عَنَاها ولا تَحْيَا حياةً لها طَعْمُ
تجنَّبْتَ إتيان الحبيب تَأَثُّماً                     ألَا إنَّ هِجْرانَ الحبيب هو الإثمُ
فذُقْ هَجْرَها قد كنتَ تزعمُ أنَّه                     رَشَادٌ ألَا لا(16) ربَّما كذَب الزَّعْمُ
          - تتمة:
          الحِزَاميُّ قد يشتبه بالحَرَاميِّ، فالأُوَّل بالمهملة المكسورة والزَّاي، والثاني بالمهملة المفتوحة والرَّاء، فمن المنتسبين إلى الأوَّل: إبراهيم (بن) المُنْذر، والضَّحَّاك بن عُثمان، وغيرهما؛ وحيث وَرَد(17) اسم صريح منسوب في أنساب الرُّواة فهو إلى هذه النِّسبة، وأمَّا الكناية نحو: فلان بن فلان الحَرَاميِّ، كما وقع في أواخر صحيح مسلم في حديث أبي اليَسَر(18) كان لي على فلان ابن فلان الحَرَاميِّ مال(19) فأتيت أهله.. الحديث، فاختلفوا في ضبطه، فرواه الأكثر بفتح المهملة والرَّاء، وعند الطَّبَريِّ بكسرها والزَّاي، وعند ابن مَاهان بالجيم المضمومة والذَّال المعجمة: جُذَاميُّ، نَعَمْ عَدَّ أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ(20) في هذا القسم من يُنسب إلى بني حَرَام منهم: جابر بن عبد الله الصحابيُّ الحَرَاميُّ بالفتح والرَّاء، وسمَّى جماعة غيره. وقال(21) العراقيُّ(22) فيه نَظَر؛ فإنِّي لم أعلم في الصَّحيحين ورودَ هذه النِّسبة، بل أسماؤهم بغير نسبة.
          وأما الجُذَاميُّ _بضمِّ الجيم، وبالذَّال المعجمة_ فهو: فَرْوَةُ بن نَعَامَةَ الجُذَاميُّ، وهو الذي أهدى للنبيِّ صلعم بَغْلَتَه البيضاء التي قاتل عليها يوم حُنَين.


[1] في (س): (داود) وهو تحريف، وفي (ه): دواد.
[2] شرح البخاريِّ:2/ 3، نقلًا عن أبي حاتم الرازيِّ.
[3] مقدمة الفتح: ص388.
[4] الهداية والإرشاد:1/ 59.
[5] في غير (ن): (وإسحاق) وهو تحريف.
[6] طبقات الشافعية الكبرى:2/ 82.
[7] في (ن) تحريفاً: (أنس بن فديك).
[8] في (ن) و(ف): تقي، وهو تصحيف.
[9] في (ن) تصحيفاً: (وخلف).
[10] في غير (ن): (وقال).
[11] في غير (ن): (كان شديداً).
[12] في (ف): من في هذا الغلام.
[13] في (ن): (منه) والمثبت أولى.
[14] الأبيات في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي 6/139، مع اختلاف في بعض الفاظ الرواية.
[15] في (ه) استدرك في الحاشية (حتى أضر) وسقط الباقي من الشطر الأول.
[16] في (ن) تصحيفاً: (لا لا).
[17] في (ن): (وقع) وفوقها (ورد).
[18] برقم (7512) و(3006).
[19] في (ن) تصحيفاً: (قال) وفي (ه): (مالاً) والمثبت من السلطانية، و(ف) وهو الوجه.
[20] تقييد المهمل:1/ 226. وتصحفت في (ن) إلى (الجبائي)
[21] في غير (ن): (قال).
[22] شرح التبصرة والتذكرة:2/ 255.