إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله

          6512- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أُويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) إمام الأئمَّة (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ) بفتح العين، و«حَلْحَلَة» بحاءين مهملتين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة (عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) بفتح ميم «معبد» وسكون عينه بعدها موحدة، الأنصاريِّ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحارث (ابْنِ رِبْعِيٍّ) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها عين مهملة مكسورة (الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ) بضم ميم «مُرَّ» وتشديد رائها (فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ) قال في «النِّهاية»: يقال(1): أَرَاح الرَّجلُ واستراحَ إذا رجعتْ إليه نفسه بعد الإعياء. انتهى.
          والواو في قوله(2): «ومُستَرَاح»(3) بمعنى: أو، فهي تنويعيَّة، أي: لا يخلو ابن آدمَ عن هذين المعنيين، فلا يختصُّ بصاحب الجنازة (قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟) وفي رواية الدَّارقطنيِّ إعادة «ما» (قَالَ) صلعم : (العَبْدُ المُؤْمِنُ) التَّقيُّ خاصَّة، أو كلُّ مؤمنٍ (يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا) تعبها ومشقَّتها (وَأَذَاهَا) ذاهبًا (إِلَى رَحْمَةِ اللهِ) ╡. قال مسروقٌ: «ما غبطت شيئًا لشيءٍ كمؤمنٍ في لَحْده أَمِن من عذاب الله، واستراح من الدُّنيا» وعطفُ الأذى من عطفِ العامِّ على الخاصِّ (وَالعَبْدُ الفَاجِرُ) الكافرُ أو العاصي (يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ) لِمَا يأتي به من المُنكر؛ لأنَّهم إن أنكروا عليه آذاهم وإن تركوهُ أثموا، أو لِما يقع لهم من ظُلمه (وَالبِلَادُ) بما يأتي به من المعاصِي، فإنَّه يحصلُ به الجدب، فيقتضِي هلاك الحرث والنَّسل، أو لِما يقعُ له من غصبها ومنعِها من حقِّها (وَالشَّجَرُ) لِقلعه إيَّاها غصبًا، أو غصب ثمرها. وفي «شرح المشكاة»: وأمَّا استراحة البلاد والأشجار، فإنَّ الله تعالى بفقده يُرسل السَّماء عليكم مدرارًا، ويحيي به(4) الأرض والشَّجر والدَّوابَّ بعدما حبسَ بشؤمِ ذنوبه الأمطار، لكنَّ إسناد الرَّاحة إليها مجازٌ؛ إذ الرَّاحة إنَّما هي لِمالكها (وَالدَّوَابُّ) لاستعمالهِ لها فوق طاقتِها وتقصيرهِ في علفها وسَقيها.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ، والنَّسائيُّ في «الجنائز».


[1] «يقال»: ليست في (ص).
[2] «في قوله»: ليست في (ع) و(ص).
[3] في (د): «والواو في مستراح».
[4] «به»: ليست في (ص).