إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم

          6511- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (صَدَقَةُ) بن الفضل المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ) بفتح المهملة وسكون الموحدة، ابن سليمان (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ ، أنَّها (قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ) لم أعرفْ أسماءهم (جُفَاةً) بالجيم والنَّصب في «اليونينية» خبر «كان» ولأبي ذرٍّ: ”حُفاة“ بالحاء المهملة، والرفع لعدمِ اعتنائهِم بالملابسِ. وقال في «الفتح»: بالجيم للأكثر؛ لأنَّ سكَّان البوادِي يغلبُ عليهم خُشونة العيشِ فتجفو أخلاقُهم غالبًا (يَأْتُونَ النَّبِيَّ صلعم فَيَسْأَلُونَهُ: مَتَى السَّاعَةُ) تقومُ (فَكَانَ) ╕ (يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ) أحدثِهم سنًّا كما في مسلمٍ بمعناه، وفي مسلمٍ أيضًا من حديث أنسٍ: «وعنده غلامٌ من الأنصار يقال له: محمَّد». وفي أخرى له: «وعندَه غلامٌ من أزدِ شنوءةَ». وفي أُخرى له: «غلامٌ للمُغيرة بن شعبة، وكان من أقراني».
          قال في «الفتح»: ولا تغايرَ في ذلك، وطريقُ الجمع أنَّه كان من أزدِ شنوءةَ وكان حليفًا للأنصارِ وكان يخدمُ المغيرة، وقوله: «وكان من أَقْراني» في رواية له: ”مِن أَتْرابي“يريد في السِّنِّ، وكان سنُّ أنسٍ حينئذٍ نحو سبع عشرة سنةٍ (فَيَقُولُ ╕ : إِنْ يَعِشْ هَذَا) الأحدثُ سنًّا (لَا يُدْرِكْهُ الهَرَمُ) بجزمِ «يدركه» جواب الشَّرط (حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ. قالَ هِشَامٌ) هو ابنُ عروة راوي الحديث، بالسَّند السَّابق إليه: (يَعْنِي) بقوله: ساعتكم (مَوْتَهُمْ) لأنَّ ساعة كلِّ إنسانٍ موته، فهي السَّاعة الصُّغرى لا الكبرى الَّتي هي بعث النَّاس للمحاسبةِ، ولا الوسطى الَّتي هي موتُ أهل القرن الواحد.
          وقال الدَّاوديُّ _ممَّا نقله في «الفتح»_: هذا الجوابُ من مَعاريضِ الكلام؛ لأنَّه لو قال لهم: لا أدرِي، ابتداءً مع ما هم فيه من الجفاء / وقبل تمكُّن الإيمان في قلوبهم لارتابوا، فعدلَ إلى إعلامِهم بالوقتِ الَّذي ينقرضونَ فيه‼، ولو كان الإيمان تمكَّن في قلوبهِم لأفصحَ لهم بالمرادِ.
          وقال في «الكواكب»: هذا الجواب من باب أسلوب الحكيم، أي: دعوا السُّؤال عن وقتِ القيامة الكُبرى فإنَّه لا يعلمُها إلَّا الله، واسألوا عن الوقتِ الَّذي يقعُ فيه انقراض عصركُم فهو أَولى لكم؛ لأنَّ معرفتكُم به تبعثكُم على ملازمةِ العمل الصَّالح قبلَ فوته؛ لأنَّ أحدكُم لا يدرِي مَن الَّذي يَسبق الآخر.
          والحديثُ من أفرادهِ، ومطابقتُهُ للتَّرجمة غيرُ ظاهرةٍ. نعم قيل: يُحتمل أن تكون من قولهِ: «موتهم» لأنَّ كلَّ موتٍ فيه سكرةٌ.