إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنةً

          6419- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ) بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة المفتوحة، ابن حسام أبو ظَفَر الأزديُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ) بضم العين وفتح العين، ابن عطاء بن مقدَّم المقدَّميُّ البصريُّ (عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بفتح الميم وسكون العين المهملة (الغِفَارِيِّ) بكسر الغين المعجمة، نسبة إلى غفار، وعمرُ بن عليٍّ مدلِّس، وقد رواهُ عن معنٍ بالعنعنةِ، لكن أخرج الحديث أحمد عن(1) عبد الرَّزَّاق، عن معمر، عن رجلٍ من بني غفار، عن سعيد، فصرَّح فيه بالسَّماع(2)، والمُبهم هو معن بن محمَّدٍ الغفاريُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) ذكوان (المَقْبُرِيِّ) بضم الموحدة، نسبة إلى مقبرةٍ بالمدينة كان يسكن عندها، وسقط «المقبريُّ» لأبي ذرٍّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ) كذا لأبي ذرٍّ ولغيره: ”فقال“ بفاء قبل القاف: (أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ) أي: أطالَ حياتهُ (حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) أي: لم يُبْقِ فيه موضِعًا للاعتذارِ حيث أمهلهُ إلى طول هذه المدَّة ولم يعتذر. يقال: أعذرَ الرَّجلُ إذا بلغَ أقصى الغاية في العذرِ. وقال التُّوربشتيُّ: ومنه قولهم: أَعذر من أَنذر، أي: أتى بالعذرِ وأظهره، وهو مجازٌ عن القول، فإنَّ العذرَ لا يتوجَّه على الله، وإنَّما يتوجه له على العبيدِ، وحقيقةُ المعنى فيه أنَّ الله لم يتركْ له شيئًا / في الاعتذارِ يتمسَّك به، قال ابنُ بطَّال: إنَّما كانت السِّتُّون حدًّا؛ لأنَّها قريبةٌ من مُعترك المنايا، وهي سنُّ الإنابةِ والخشوع وترقُّب المنيَّة، فهذا إعذارٌ بعد إعذارٍ لطفًا من الله تعالى بعباده حتَّى(3) نقلَهم من حالةِ الجهلِ إلى حالة العلمِ ثمَّ أعذرَ إليهم، فلم يعاقبهُم إلَّا بعد الحججِ الواضحةِ وإن كانوا فُطروا على حبِّ الدُّنيا وطول الأملِ، لكنَّهم أُمروا بمجاهدةِ النَّفس في ذلك؛ ليمتثلوا ما أُمروا به من الطَّاعة، وينزجروا عما نُهوا عنه من المعصية.
          وقال بعض الحكماء: الأسنان أربعةٌ: سنُّ الطُّفوليَّة، ثمَّ الشَّباب، ثمَّ الكُهولة، ثمَّ الشَّيخوخة، وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون بين السِّتِّين‼ إلى السَّبعين، فحينئذٍ يظهرُ ضعفُ القوَّة بالنَّقص والانحطاط، فينبغِي له الإقبالُ على الآخرةِ بالكلِّيَّة؛ لاستحالةِ أن يرجعَ إلى الحالةِ الأولى من النَّشاط والقوَّة.
          قلتُ: ورأيتُ لأبي الفرج ابن الجوزيِّ الحافظ جزءًا لطيفًا سمَّاه «تنبيه الغَمْر بمواسم العمر» ذكرَ فيه أنَّها خمسةٌ: الأوَّل من وقت الولادةِ إلى زمن البلوغِ، والثَّاني إلى نهاية شبابه خمسٍ وثلاثين، والثَّالث إلى تمام الخمسين وهو الكهولة. قال: وقد يقال له: كهلٌ لِمَا قبل ذلك، والرَّابع إلى تمام السَّبعين وذلك زمان الشَّيخوخة، والخامسُ إلى آخر العُمر قال: وقد يتقدَّم ما ذكرنا من السِّنين(4) ويتأخَّر.
          (تَابَعَهُ) أي: تابعَ معن بن محمد (أَبُو حَازِمٍ) سلمة بنُ دينار، ممَّا رواه النَّسائيُّ عن يعقوب بن عبد الرَّحمن، عن أبي حازم (وَ) تابع مَعْنًا أيضًا (ابْنُ عَجْلَانَ) محمَّد، فيما رواه الطَّبرانيُّ في «الأوسط» عن عبد الرَّزَّاق، عن معمرٍ، عن منصور بنِ المُعتمر، عن محمَّد بن عجلان كلاهما (عَنِ المَقْبُرِيِّ) أبي سعيدٍ ذكوان، عن أبي هُريرة بلفظ «مَنْ أتتْ عليهِ(5) ستُّون سنةً فقد أعذرَ اللهُ إليه في العمرِ».


[1] في (ع) و(س) و(ب): «ابن».
[2] كذا قال، وليس في إسناد أحمد تصريح بالسماع، ونقل هذا الشارح من فتح الباري(11/239) واختصره فحدث الوهم، وأما الحافظ فقد قال: «وبينت عذر البخاري في ذلك أنه وجد من وجه آخر مصرَّح فيه بالسماع، وأما هذا الحديث فقد أخرجه أحمد...» وبيّن الحافظ التصريح بالسماع في شرحه لـ «باب الطاعم الشاكر» [خ¦70/65-8125].
[3] في (د) و(ل): «حين».
[4] في (ع): «الستين».
[5] في (ع) زيادة: «ستّ، و».