إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان النبي يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه

          541- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحارث الحوضيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ أَبِي المِنْهَالِ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ في غير «اليونينيَّة»: ”حدَّثنا أبو المنهال“ وهو بكسر الميم وسكون النُّون، سيَّار بن سلامة البصريُّ (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) بفتح المُوحَّدة وسكون الرَّاء ثمَّ بالزَّاي، الأسلميِّ، واسمه نَضْلة بفتح النُّون وسكون الضَّاد المُعجَمة، ابن عُبَيْدٍ _مُصغَّرًا_ ☺ (كَانَ) ولأبوَي‼ ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”قال: كان“ (النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ) أي: مُجالِسه الَّذي إلى جنبه، و«الواو» للحال (وَيَقْرَأُ) ╕ (فِيهَا) أي: في صلاة الصُّبح (مَا بَيْنَ السِّتِّينَ) من آي القرآن وفوقها (إِلَى المِئَةِ) وحذف لفظ: «فوقها» لدلالة السِّياق عليه، وإِلَّا فلفظ: «بين» يقتضي دخوله على متعدِّدٍ، فكان القياس أن يقول: و«المئة» بدون كلمة «الانتهاء» كما في قوله: «باب ما يكره من السَّمر بعد العشاء» [خ¦599]: «إنَّه يقرأ من السِّتِّين إلى المئة» كما نبَّه عليه الكِرمانيُّ (و) كان ╕ (يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أي: مالت إلى جهة المغرب (وَ) يصلِّي (العَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ) من المسجد (إِلَى) منزله (أَقْصَى المَدِينَةِ) آخرها حال كونه (رَجَعَ) أي: راجعًا من المسجد إلى منزله (وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) بيضاء، لم يتغيَّر لونها ولا حرُّها، وليس المُراد: الذَّهاب إلى أقصى المدينة والرُّجوع من ثَمَّ إلى المسجد، ورواية عوفٍ(1) الآتية [خ¦599] _إن شاء الله تعالى_ قريبًا: «ثمَّ يرجع(2) أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشَّمس حيَّةٌ» توضح ذلك؛ لأنَّه ليس فيه إلَّا الذَّهاب فقط دون الرُّجوع، ووقع في رواية غير أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”ويرجع“ بالواو وصيغة المضارع، وفي روايةٍ: ”ثُمَّ يَرْجِعُ“ ومثل ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ: «وإنَّ أحدنا ليذهب أقصى المدينة ويرجع والشَّمس حيَّةٌ» وهذا يغاير رواية عوفٍ(3) المذكورة، وهي قد أوضحت أنَّ المُرَاد بـ «الرُّجوع» الذَّهاب إلى المنزل من المسجد، وطرق الحديث يبيِّن بعضها بعضًا، وإنَّما سُمِّي رجوعًا لأنَّ ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذَّهاب منه إلى المنزل رجوعًا، قال أبو المنهال: (وَنَسِيتُ مَا قَالَ) أبو برزة (فِي المَغْرِبِ، وَ) كان ◙ (لَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ) صلاة (العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) الأوَّل، وهو وقت الاختيار (ثُمَّ قَالَ) أبو المنهال: (إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أي: نصفه، ورجَّحه النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ»، وكلامه في «شرح المُهذَّب» يقتضي أنَّ الأكثرين عليه، والحاصل: أنَّ للعشاء أربعة أوقاتٍ: وقت فضيلةٍ أوَّل الوقت، ووقت اختيار إلى ثلث اللَّيل على الأصحِّ، ووقت جوازٍ إلى طلوع الفجر الصَّادق، ووقت عذرٍ وقت المغرب لمن يجمع.
           (وَقَالَ مُعَاذٌ) هو ابن معاذ بن نصرٍ العنبريُّ، التَّابعيُّ(4) التَّيميُّ، قاضي البصرة، ولابن عساكر: ”قال محمَّدٌ“ أي: البخاريُّ: ”وقال معاذٌ“: (قَالَ شُعْبَةُ) بن الحجَّاج بإسناده السَّابق: (ثُمَّ لَقِيتُهُ) أي: أبا المنهال (مَرَّةً) أخرى بعد ذلك (فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) تردَّد بين الشَّطر والثُّلث، ووقع عند «مسلمٍ» من طريق حمَّاد بن سلمة عن أبي سلمة الجزم بقوله: «إلى ثلث اللَّيل».
          ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصريٍّ وواسطيٍّ، وفيه: التَّحديث والقول، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ.


[1] في (م): «عون»، وهو تحريفٌ.
[2] في (ص): «رجع».
[3] في (م): «عون»، وهوتحريفٌ.
[4] «التَّابعيُّ»: مثبتٌ من (ب) و(س).