إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل

          540- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ (قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة بالمُهمَلة والزَّاي (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد، وللأَصيليِّ بالجمع (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ) أي: مالت، وللتِّرمذيِّ: زالت، أي: عن أعلى درجات ارتفاعها، قال أبو طالب في «القوت»(1): والزَّوال ثلاثةٌ: زوالٌ لا يعلمه إلَّا الله تعالى، وزوالٌ تعلمه الملائكة المُقرَّبون، وزوالٌ يعلمه (2) النَّاس، قال: وجاء في الحديث أنَّه صلعم سأل جبريل صلوات الله وسلامه عليه: «هل زالت الشَّمس؟» قال: لا نعم، قال: «ما معنى: لا نعم؟» قال: يا رسول الله، قطعت الشَّمس من فلكها بين قولي: «لا نعم» مسيرة خمس مئة عامٍ، ثمَّ إنَّ الزَّوال الَّذي يعرفه النَّاس يُعرَف بمعرفة أقلِّ الظِّلِّ، وطريقه بأن تنصب قائمًا معتدلًا في أرضٍ معتدلةٍ، وتنظر إلى ظلِّه في جهة المغرب، وظلُّه فيها أطول ما يكون غدوةً، وتعرف منتهاه، ثمَّ كلَّما ارتفعت نقص(3) الظِّلُّ، حتَّى تنتهي إلى أعلى درجات ارتفاعها(4)، فتقف وقفةً ويقف الظِّلُّ لا يزيد ولا ينقص، وذلك وقت نصف النَّهار ووقت الاستواء، ثمَّ تميل إلى أوَّل درجات انحطاطها في الغروب(5)‼، فذلك هو الزَّوال، وأوَّل وقت الظُّهر (فَصَلَّى الظُّهْرَ) في أوَّل وقتها، ولم يُنقَل أنَّه صلعم صلَّى قبل الزَّوال، وعليه استقرَّ الإجماع، وهذا لا يعارض حديث الإبراد لأنَّه ثبت بالقول(6) وذاك بالفعل والقول فيرجح عليه، وقال البيضاويُّ: الإبراد تأخير الظُّهر أدنى تأخيرٍ، بحيث لا يخرج عن حدِّ التَّهجير، فإنَّ الهاجرة تُطلَق على الوقت(7) إلى أن يقرب العصر (فَقَامَ) بعد فراغه من الصَّلاة (عَلَى المِنْبَرِ) لمَّا بلغه أنَّ قومًا من المنافقين ينالون منه، ويعجزونه عن بعض ما يسألونه (فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ) ╕ : (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ) أي: فليسألني عنه (فَلَا) وللأَصيليِّ: ”لا“ (تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ) بحذف نون الوقاية (إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ) به (مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا) بفتح ميم «مَقامي»، واسم الإشارة ساقطٌ عند أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وأبي الوقت وابن عساكر، واستعمل الماضي في قوله: «أخبرتكم» موضع المُستقبَل إشارةً إلى أنَّه كالواقع لتحقُّقه (فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ) خوفًا من نزول العذاب العامِّ المعهود في الأمم السَّالفة عند ردِّهم على أنبيائهم بسبب تغيُّظه ╕ من مقالة المنافقين السَّابقة آنفًا، أو سبب(8) بكائهم ما سمعوه من أهوال يوم القيامة والأمور العظام، و«البكاء» بالمدِّ: مدُّ(9) الصَّوت في البكاء، وبالقصر: الدُّموع وخروجها (وَأَكْثَرَ) ╕ (أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”سلوا“ أي: أكثر القول بقوله: «سلوني» (فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ) بضمِّ الحاء المُهمَلة وفتح الذَّال المُعجَمة، و«السَّهْميُّ» بفتح السِّين المُهمَلة وسكون الهاء، المهاجريُّ (فَقَالَ:) يا رسول الله (مَنْ أَبِي؟ قَالَ) ╕ : (أَبُوكَ حُذَافَةُ) / وكان يُدعَى لغير أبيه (ثُمَّ أَكْثَرَ) صلعم (أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي، فَبَرَكَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ) بالتَّثنية (فَقَالَ) ولابن عساكر ”قال“: (رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ) صلعم (نَبِيًّا. فَسَكَتَ) ╕ (ثُمَّ قَالَ: عُرِضَتْ) بضمِّ العين وكسر الرَّاء (عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا) بمدِّ الهمزة والنَّصب على الظَّرفيَّة لتضمُّنه معنى الظَّرف، أي(10): في أوَّل وقتٍ يقرب منِّي وهو الآن (فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ) بضمِّ العين المُهمَلة وسكون الرَّاء(11)، أي: جانبه وناحيته، وعَرْضُهُمَا إمَّا بأن(12) تكونا(13) رُفِعتا إليه، أو زُوِي له ما بينهما، أو مُثِّلا له، وتأتي(14) مباحثه إن شاء الله تعالى (فَلَمْ أَرَ) أي: فلم أبصر (كَالخَيْرِ) الَّذي في الجنَّة (وَالشَّرِّ) الَّذي في النَّار، أو ما أبصرت شيئًا كالطَّاعة والمعصية في سبب دخول الجنَّة والنَّار.


[1] أي: «قوت القلوب»، وفي (ب): «الوقت».
[2] في (د): «تعرفه».
[3] في (د) و(م): «ينقص».
[4] في (م): «درجاتها في الارتفاع».
[5] في (ص): «المغرب».
[6] في (د): «بالفعل».
[7] «تُطلَق على الوقت»: سقط من (م).
[8] في (ص) و(م): «بسبب».
[9] «مدُّ»: ليس في (د).
[10] «أي»: سقط من (د).
[11] «وسكون الرَّاء»: سقط من (ص) و(م).
[12] في (ص): «أن».
[13] في (د): «يكونا».
[14] في غير (ب) و(س): «يأتي».