إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث سهل: اجلس يا أبا تراب

          6204- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللَّام، البجليُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ (قَالَ(1): حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو حَازِمٍ) سلمةُ بن دينار (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) السَّاعديِّ الأنصاريِّ، أنَّه (قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ ☺ إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ) «إن» مخففة من الثَّقيلة، ولفظ «كانت» زائدة كقولهِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . .                     وَجِيْرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَام
و«أحبَّ» منصوبٌ اسم «إنْ» و«إنْ كانَتْ» مخفَّفة لأنَّ تخفيفَها لا يوجبُ إلغاءها، قاله في «الكواكب»، وأنث «كانت» باعتبار الكُنية. وقال السَّفاقِسيُّ: أنث على تأنيثِ الأسماء مثل: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ}[ق:21] وفيه إطلاقُ الاسم على الكُنية، واللَّام في «لَأبو تراب» للتَّأكيد (وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ) بلام التَّأكيد أيضًا و«إن» مخفَّفة من الثَّقيلة أيضًا والضَّمير لعليٍّ (أَنْ يُدْعَى بِهَا) بضم أوله وفتح العين أي: ينادى بها، ولأبي الوقتِ: ”أن يُدْعاها“ وللحَمُّويي والمُستملي: ”أن يدعُوها“ بضم العين بعدها واو فهاء، أي: يذكرها، وفي «الفتح» عن رواية النَّسفيِّ: ”أن ندعُوها“ «بنون» بدل: «الياء»، أي: نذكُرها (وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ صلعم ) برفع «أَبُو» على الحكايةِ، وصوَّب النَّصبَ السَّفاقِسيُّ على المفعوليَّة وهو ظاهرٌ. نعم، قيل: إنَّ في بعض النُّسخ بالنَّصب كذلك، وسبب تكنيتهِ بها أنَّه (غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ) زوجتَهُ ♦ (فَخَرَجَ) من عندها خشية أن / يبدو منه في حالة الغيظِ ما لا يليقُ بجنابِ فاطمة، فحسمَ مادَّة الكلام إلى أن تسكُنَ فورةُ الغضبِ من كلٍّ منهما (فَاضْطَجَعَ إِلَى الجِدَارِ إِلَى المَسْجِدِ) كذا في رواية النَّسفيِّ، كما قاله في «الفتح»، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”إلى الجدارِ في المسجد“ بلفظ: ”في“ بدل: «إلى»، في الثَّاني، وللكشميهنيِّ: ”في جدارِ المسجد“ (فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صلعم يَتْبَعُهُ) بسكون الفوقية مخفَّفًا، كذا في فرع «اليونينية» كهي. قال في «الفتح»: قوله: يتَّبعه _بتشديد المثناة_ من الاتِّباع، وقال العينيُّ: ويروى من الثُّلاثيِّ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”يَبْتغيه“ _بموحدة ساكنة فمثناة فوقية فغين معجمة_ من الابتغاء، أي: يطلبهُ (فَقَالَ: هُوَ ذَا) أي: عليٌّ (مُضْطَجِعٌ فِي الجِدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صلعم وَ) الحال، أنَّه قد (امْتَلَا ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلعم يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ يَقُولُ: اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ) فاشتقَّ له النَّبيُّ صلعم من حالته هذه الكنية، قال الخليل: يقال لمن كان قائمًا: اقعد، ولمن كان نائمًا: اجلس. وتعقَّبه ابنُ دِحية بحديث «الموطأ» حيث قال للقائمِ: اجلسْ، وفيه كرم خلقِ النَّبيِّ صلعم ؛ لأنَّه توجَّه نحو عليٍّ ليترضَّاه‼ ومسح التُّراب عن ظهرهِ ليُبسطه وداعبهُ بالكُنية المذكورةِ، ولم يعاتبْه على مغاضبتهِ لابنته مع رفيع منزلتها عندَه، ففيه استحباب الرِّفق بالأصهار وتركِ معاتبتهم إبقاءً لمودَّتهم، وفيه أيضًا أنَّ أهل الفضلِ قد يقعُ بينهم وبين أزواجِهم ما جبلَ الله عليه البشرَ من الغضبِ، وليس ذلك بعيبٍ، وفيه جوازُ تكنيةِ الشَّخص بأكثر من كنيةٍ، فإنَّ عليًّا كانت كنيتُه أبا الحسن.


[1] «قال»: ليست في (د).