إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أنس: يا أبا عمير ما فعل النغير؟

          6203- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيد(1) الثَّقفيُّ (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) يزيد بنِ حميد (عَنْ أَنَسٍ) ☺ ، أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا) بضم الخاء المعجمة، وقال: هذا توطئةٌ لقولهِ: (وَكَانَ لِي أَخٌ) من أمِّه أمِّ سُلَيمٍ (يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ) بضم العين وفتح الميم، ابن أبي طلحةَ زيد بن سهل الأنصاريُّ، وكان اسمه عبد الله، فيما جزم به الحاكمُ أبو أحمد، وقيل: اسمه حفص / ، كما عند ابنِ الجوزيِّ في «الكنى»(2)، مات على عهد النَّبيِّ صلعم . وعن أنسٍ قال: كان لأبي طلحة ابنٌ يَشتكي فخرجَ أبو طلحةَ في بعض حاجاتهِ فقبض الصَّبيُّ... الحديث‼، وهذا هو الصَّبيُّ المقبوض قال صلعم : «باركَ الله لكمَا في ليلتكُمَا» [خ¦1301] فولدتْ له بعد ذلك عبد الله بن أبي طلحةَ فبورك فيه وهو والدُ إسحاق بن عبد الله بنِ أبي طلحةَ الفقيه، وإخوتهُ كانوا عشرةً كلُّهم حملَ عنه العلم (قَالَ: أَحْسِبُهُ) أي: أظنُّه (فَطِيمٌ) بالرفع صفة لقولهِ: «لي أخٌ»، وأحسبه اعتراض بين الصِّفة والموصوف، أي: مفطومٌ بمعنى فصل رضاعه، ولأبي ذرٍّ: ”فطيمًا“ بالنَّصب مفعولًا ثانيًا(3) لـ «أحسب» (وَكَانَ) النَّبيُّ صلعم (إِذَا جَاءَ) إلى أمِّ سُلَيمٍ (قَالَ) لأبي عميرٍ يمازحهُ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) تصغير نُغَر، بضم النون وفتح الغين المعجمة (كَانَ يَلْعَبُ) أي: يتلهى (بِهِ) أبو عمير، وكان قد مات وحزنَ عليه، والنُّغيرُ طائرٌ يشبه العصفور، وقيل: فراخ العصافيرِ. قال عياض: والرَّاجح أنَّه طائرٌ أحمرُ المنقار، وفي رواية ربعي: فقالت أمُّ سُلَيمٍ: ماتت صَعْوَتهُ الَّتي كان يلعبُ بها، فقال النَّبيُّ: «يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟» قال أنسٌ: (فَرُبَّمَا حَضَرَ) النَّبيُّ صلعم (الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالبِسَاطِ) بكسر الموحدة (الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ) مبنيَّان للمفعول، والنَّضحُ _بالضاد المعجمة ثمَّ الحاء المهملة_ الرَّشُّ بالماء (ثُمَّ يَقُومُ) ╕ (وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا).
          وفي الحديثِ الآخر(4) جوازُ تكنيةِ الصَّغير، والحديث مطابقٌ للجزء الأوَّل من التَّرجمة، وقول صاحب «الفتح»: والرُّكن الثَّاني مأخوذٌ بالإلحاقِ بل(5) بطريقِ الأولى، تعقَّبه في «عمدة القاري» فقال: هذا كلامٌ غير موجَّه لأنَّ جواز التَّكنِّي للصَّبيِّ لا يستلزم جواز التَّكنِّي للرَّجل قبل أن يُولد له، فكيف يصحُّ الإلحاق به فضلًا عن الأولويَّة؟ والظَّاهر أنَّه لم يظفرْ بحديثٍ على شرطهِ مطابق(6) للجزء الثَّاني، فلذلك لم يذكر له شيئًا. وقال ابنُ بطَّال: بناء اللَّقب والكنية إنَّما هو على معنى التَّكرمة والتَّفاؤل له أن يكون أبًا وأن يكون له ابن، وإذا جاز للصَّبيِّ في صغره فالرَّجل قبل أن يُولد له أولى بذلك. انتهى.
          وفي حديث صهيبٍ عند أحمدَ وابنِ ماجه، وصحَّحه الحاكم أنَّ عمر قال له: ما لك تكنَّى أبا يحيى، وليس لك ولدٌ؟ قال: إنَّ النَّبيَّ صلعم كنَّاني. وعن علقمة، عن ابن مسعودٍ _عند الطَّبرانيِّ بسندٍ صحيحٍ_: أنَّ النَّبيَّ صلعم كنَّاه أبا عبد الرَّحمن. وقال بعضُهم: بادرُوا أبناءكُم بالكُنى قبل أن تغلبَ عليها الألقاب.
          وحديث الباب فيه فوائد جمعها أبو العبَّاس بن القاص من الشَّافعيَّة في جزءٍ مفرد، وسبقه إلى ذلك أبو حاتمٍ الرَّازي أحد أئمَّة الحديث، ثم التِّرمذيُّ في «الشَّمائل»، ثمَّ الخطابيُّ.


[1] في كل الأصول: «عبد الحميد» والمثبت من كتب الرجال وهو الذي في الفتح.
[2] في (د): «في الكنايات».
[3] في (د): «مفعول ثان».
[4] «الآخر»: ليست في (د).
[5] قوله: «بل» زيادة من الفتح والعمدة، وهما مصدر المصنف.
[6] في (د): «مطابقًا». كذا في العمدة.