إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أسم ابنك عبد الرحمن

          6189- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ) محمَّدًا (قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ( ☻ ) يقول: (وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ القَاسِمَ) بفتح السين والميم المشددة، ولأبي ذرٍّ: ”فأَسْماه“ بزيادة همزة مفتوحة وسكون السين (فَقَالُوا) له: (لَا نَكْنِيكَ بِأَبِي القَاسِمِ) بفتح النون وسكون الكاف (وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين المهملة، أي: لا نُقرُّ عينكَ بذلك (فَأَتَى) الرَّجلُ (النَّبِيَّ صلعم فَذَكَرَ ذَلِكَ) الَّذي قالوهُ (لَهُ)‼ ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فذكروا“ (فَقَالَ) له النَّبيُّ صلعم : (أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) بهمزة قطع وسكون السين، وقد اختلف في التَّكنِّي بأبي القاسم:
          فقيل: لا يجوزُ مطلقًا سواء كان اسمه محمَّدًا أو أحمدَ أو لم يكن لظاهر الحديثِ، وذلك لأنَّه لما كان النَّبيُّ(1) صلعم يُكنَّى أبا القاسم؛ لأنَّه يقسم بين النَّاس من قبل الله تعالى ما يوحى إليه، ويُنزلهم منازلهم الَّتي يستحقُّونها في الشَّرف والفضل وقسم الغنائم، ولم يكن أحدٌ منهم يُشاركه في هذا المعنى منع أن يكنَّى به غيره لهذا المعنى. قال البيضاويُّ: هذا إذا أُريد به المعنى المذكور، وأمَّا لو كنِّي به أحدٌ للنِّسبة إلى ابنٍ له اسمه قاسم، أو للعلميَّة المجرَّدة جاز، ويدلُّ له التَّعليل المذكور.
          الثَّاني: أنَّ هذا كان في بدء الأمر ثمَّ نسخ، فيجوز التَّكنِّي به اليوم لكلِّ أحدٍ مطلقًا اسمه محمَّدٌ أو غيره، وعلَّته التباسُ خطابه بخطابِ غيره، ويدلُّ عليه نهيه عنه في حديث أنسٍ المرويِّ في «البيع» من «البخاريِّ» [خ¦2121] عقب ما سمع رجلًا يقول: يا أبا القاسم فالتفتَ إليه صلعم فقال: لم أعنِكَ. قال القاضي عياضٌ: وهذا مذهبُ جمهور السَّلف وفقهاء الأمصَار.
          و(2)الثَّالث: أنَّه ليس بمنسوخٍ، وإنَّما كان النَّهي للتَّنزيه والأدب لا للتَّحريم.
          والرَّابع: أنَّ النَّهي عن الجمع فلا بأسَ بالكنية وحدها لمن لا يسمَّى باسمهِ صلعم لحديث جابرٍ: «من تسَمَّى باسمِي فَلا يكتَني بكُنيتي، ومن اكتَنى بكُنيتي فلا يتسمَّى باسمِي» رواه أبو داود، وهو كقولهم: اشربْ اللَّبن ولا تأكلِ السَّمك، أي: حين شربه، فيكون النَّهي عن الجمع بينهما.
          والخامسُ: المنع من التَّسمية بمحمَّدٍ مطلقًا لحديث أنسٍ «تسمُّونهم محمدًا ثمَّ تلعنونهم». رواه البزَّار وأبو يعلى بسندٍ ليِّنٍ، وكتب عمر إلى أهل الكوفة: لا تسمُّوا أحدًا باسم نبيٍّ. وإنَّما فعل ذلك إعظامًا لاسم النَّبيِّ صلعم لئلَّا يُنتهك، وكان سمعَ رجلًا يقول لمحمَّد ابن زيد بن الخطَّاب: يا محمَّد / فعل الله بك وفعل، فدعاهُ وقال: لا أرى رسولَ الله صلعم يُسَبُّ بك. فغيَّر اسمَه، لكن(3) ورد ما يدلُّ على أنَّ عمر ☺ رجعَ عن ذلك، وكره مالكٌ التَّسميةَ بأسماء الملائكة كجبريل.


[1] «النبي»: ليست في (د).
[2] «و» هنا ومع التعداد التالي: سقط في (س).
[3] في (د) و(ع) زيادة: «ما»، وفي (ص): «بما».