إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أنس: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون

          6185- وبه قال: (حَدَّثَنَا(1) عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة، و«المفضَّل» بفتح الضاد المعجمة المشددة، ابن لاحقٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ) مولى الحضَارمة (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّه أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ) زيد بن سهلٍ الأنصاريُّ، من(2) عسفان إلى المدينة (مَعَ النَّبِيِّ صلعم ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلعم صَفِيَّةُ) بنتُ حُييٍّ أمُّ المؤمنين، حالَ كونه (مُرْدِفَهَا) ولأبي ذرٍّ: ”مردفُها“ بالرفع / خبر مبتدأ محذوفٍ (عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”كان“ (بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ) بفتح العين المهملة والمثلثة (فَصُرِعَ) بضم الصاد المهملة، أي: سقطَ (النَّبِيُّ صلعم وَالمَرْأَةُ) صفيَّة (وَأَنَّ) بفتح الهمزة (أَبَا طَلْحَةَ _قَالَ) أنس: (أَحْسِبُ_ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ) بالقاف الساكنة والحاء المهملة، رمى نفسهُ من غيرِ رويَّةٍ (فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلعم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ(3) فِدَاءكَ) بكسر الفاء والهمزة (هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ) صلعم : (لَا، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالمَرْأَةِ) صفيَّة فاحفظها، وانظر في أمرِها (فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ) ☺ (ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ) حتَّى لا يرى صفيَّة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فألوى بثوبهِ“ (فَقَصَدَ قَصْدَهَا) أي: نحا نحوهَا ومَشى إلى جهتِها (فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا) ليستُرها به (فَقَامَتِ المَرْأَةُ) صفيَّة (فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا) أي: النَّبيُّ صلعم وصفيَّة (فَسَارُوا) أي: النَّبيُّ صلعم ومن معه (حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ المَدِينَةِ) أي: بظاهِرها (_أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا) بالشين المعجمة والفاء (عَلَى المَدِينَةِ_ قَالَ النَّبِيُّ صلعم ): (آيِبُونَ) جمع: آيبٍ، راجعون إلى الله (تَائِبُونَ) راجعون عمَّا هو مذمومٌ شرعًا إلى ما هو محمودٌ‼، قاله تعليمًا لأمَّته أو تواضعًا (عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا) أي: هذه الكلمات (حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ).
          ومطابقةُ الحديث للتَّرجمة في قولهِ: «جعلني الله فداءكَ» على ما لا يخفى، وفيه دليلٌ على جواز ذلك إذ لو كان غير سائغٍ لنهى النَّبيُّ صلعم (4) قائلَه ولأعلمَه، قيل: لا يلزمُ من تسويغِ قول ذلك للنَّبيِّ صلعم أن(5) يسوغ ذلك لغيره؛ لأنَّ نفسه الشَّريفة أعزُّ من أنفس القائلين وآبائهم؟ وأُجيب بأنَّ الأصل عدم الخصوصيَّة، وفي حديث ابن عمر أنَّه صلعم قال لفاطمة: «فداك أبوك» وفي حديث ابن مسعودٍ أنَّه صلعم قال لأصحابه: «فداكُم أبي وأمِّي»، وفي حديث أنسٍ أنَّه صلعم قال مثلَ ذلك للأنصار، رواها ابنُ أبي عاصمٍ، وأمَّا ما رواه مُبارك بنُ فَضَالة، عن الحسن قال: دخلَ الزُّبير على النَّبيِّ صلعم وهو شاكٍ، قال: كيف تجدكُ؟ جعلني الله فِدَاءك قال: «ما تركتَ أعرابيَّتك بعد»، فقال الطَّبريُّ: لا حجَّة فيه على المنع؛ لأنَّه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصِّحَّة، وعلى تقدير ثبوتِ ذلك فليس فيه صريحُ المنع، بل فيه إشارةٌ إلى أنَّه ترك الأولى في القول للمريض إمَّا بالتَّأنيس والملاطفة، وإمَّا بالدُّعاء والتَّوجُّع.
          والحديثُ سبقَ في «الجهاد» [خ¦3086].


[1] في (د): «حدثني».
[2] في غير (د): «عن».
[3] لم يَرِد اسم الجلالة في (ب).
[4] في (ص) زيادة: «عنه».
[5] في (ص): «إذ».