إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تسموا العنب الكرم

          6182- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثَنِي“ بالإفراد (عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ) بالتحتية والشين المعجمة، الرَّقام البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى) بنُ عبدِ الأعلى قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ) بفتح الكاف وسكون الراء؛ لأنَّه يتَّخذ منه الخمر، فيُكره تسميتُه(1) به لأنَّ فيه(2) تقريرًا لما كانوا يتوهَّمونه من تكريم(3) شاربها (وَلَا تَقُولُوا‼: خَيْبَةَ الدَّهْرِ) بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة، نصب على النُّدبة، كأنَّه فقد الدَّهر لما يصدرُ عنه ممَّا يكرهه، فندبه متفجِّعًا عليه، أو متوجِّعًا(4) منه، أو هو دعاءٌ عليه بالخيبةِ. وعند مسلمٍ من طريق العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ «وادهرَاهُ وادهرَاهُ»، والخيبةُ الحرمانُ والخُسران، وقد خاب يخيبُ وهو من إضافةِ المصدرِ إلى الفاعل (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ) أي: الفاعل لما يحدثُ فيه. قال في «بهجة النفوس»: لا يخفى أنَّ من سبَّ الصَّنعة فقد سبَّ صانعها، فمَن سبَّ اللَّيل والنَّهار أقدم على أمرٍ عظيمٍ بغير معنى، ومن سبَّ ما يقعُ فيهما من الحوادثِ، وذلك أغلبُ ما يقع من النَّاس فلا شيءَ في ذلك. انتهى.
          وقال جماعةٌ من المحقِّقين: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدَّهر حقيقةً كفر، ومن جرى هذا اللَّفظ على لسانهِ غير معتقدٍ لذلك فليس بكافرٍ، لكن يُكره له ذلك لتشبُّهه بأهلِ الكُفْر في الإطلاق. وقال القاضِي عياضٌ: زعمَ بعضُ من لا تحقيقَ عنده أنَّ الدَّهر من أسماءِ الله، وهو غلطٌ فإنَّ الدَّهر مدَّة زمان الدُّنيا.


[1] في (د): «فكره تسميتها»، وفي (ص) و(ع): «تسميتها».
[2] في (س): «فيها».
[3] في (د): «تكرم».
[4] في (ع): «توجعًا».