إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له

          6154- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى) بضم العين، ابن باذامَ العبسيُّ(1) الكوفيُّ قال: (أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ) بن أبي سفيان الجمحيُّ القرشيُّ (عَنْ سَالِمٍ) هو ابنُ عبد الله(2) (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ) بلام التَّأكيد، و«أن» المصدريَّة في موضعِ رفع على الابتداءِ (جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا) نصب على التَّمييز، والقيح المِدَّة، لا(3) يخالطُها دمٌ، وخبر المبتدأ قوله: (خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا) ظاهرُه العموم في كلِّ شعرٍ لكنَّه مخصوصٌ بما لم يكن حقًّا، وأمَّا الحقُّ فلا؛ كمدحِ الله ورسولهِ، وما يشتملُ على الذِّكر والزُّهد وسائرِ المواعظ ممَّا لا إفراطَ فيه، وحملَه ابن بطَّال على الشِّعر الَّذي هُجِي به النَّبيُّ صلعم ، وتعقَّبه أبو عُبيد بأنَّ الَّذي هُجي به النَّبيُّ لو كان شطر بيتٍ كان كفرًا، قال: والوجه عندِي أن يمتلئ قلبُه منه حتَّى يغلبَ عليه فيشغله عن القرآن والذِّكر، فأمَّا إذا كان الغالبُ القرآن والذِّكر عليه، فليس جوفُه بممتلئٍ من الشِّعر. نعم، أخرج أبو يعلى الموصليُّ، عن جابرٍ مرفوعًا «لأنْ يمتلئ جوفُ أحدِكم قيحًا أو دمًا خيرٌ له من أن يمتلئَ شعرًا هُجِيتُ به» وفي سندهِ راوٍ لم يُعرف، وأخرجه الطَّحاويُّ وابنُ عديٍّ من رواية الكلبيِّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة مثل حديث الباب. قال: فقالتْ عائشةُ: لم يحفظ إنَّما قال: «أنْ يمتلئَ شعرًا هُجِيتُ به». قال في «الفتح»: وابنُ الكلبيِّ واهي الحديث، وشيخه أبو صالحٍ ليس هو السَّمَّان المتَّفق على تخريجهِ في «الصَّحيحين»(4) عن أبي هريرة بل هو آخرُ ضعيفٌ، يقال له: باذان، فلم تثبتْ هذه الزِّيادة، وقال السُّهيليُّ: إنْ قُلنا بما قالتْه عائشةُ من تخصيصِ النَّهي بمن يمتلئُ جوفهُ من شعرٍ هُجِي به صلعم ، فليس في الحديثِ إلَّا عَيْبُ(5) امتلاءِ الجوفِ منه، فلا يدخلُ في النَّهي رواية اليسيرِ على سبيلِ الحكايةِ ولا الاستشهاد به في اللُّغة، وحينئذٍ فلا يكُفُر قائله، ولا فرقَ بينه وبين الكلام الَّذي ذمُّوا به النَّبيَّ صلعم .


[1] في (ب) و(س): «العبديّ».
[2] في (ص): «عمر»، وفي (ع): «ابن عمر».
[3] «لا»: ليست في (ص).
[4] في (س): «الصحيح».
[5] في (ع): «حين»، وفي (د): «حيث».