إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي شريح: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه

          6135- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ الكلاعيُّ، قال / : (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ الأعظم (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ) بضم الموحدة، واسم أبي سعيدٍ كَيسان (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) بضم الشين‼ المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة، خويلدُ بن عَمرو بنِ صخر (الكَعْبِيِّ) بفتح الكاف وكسر الموحدة، الخزاعيُّ أسلمَ قبل الفتحِ، وتوفِّي بالمدينة ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ) الَّذي خلقه إيمانًا كاملًا (وَاليَوْمِ الآخِرِ) الَّذي إليه معادُه وفيه مجازاته (فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ) بالرَّفع في الفرع، مبتدأ خبرُه (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) أي: تكلُّف يومٍ وليلة، أو إتحافُ(1) يومٍ وليلة، هذا إن قلنا: إنَّ اليوم واللَّيلة من جملة أيام الضِّيافة الثَّلاثة، وإن قلنا: بأنَّهما خارجان عنها فيقدَّر زيادة يوم وليلة بعد الضِّيافة، وبالنَّصب على أنَّه بدلُ الاشتمال، أي: فليكرمْ جائزةَ ضيفه يومًا وليلةً، بنصبِ يومًا على الظَّرفيَّة، قاله السُّهيليُّ فيما حكاهُ الزَّركشيُّ، وعند مسلم في رواية عبد الحميد بن جعفرٍ، عن سعيدٍ المقبريِّ، عن أبي شُريح: «الضِّيافة ثلاثة أيَّام، وجائزته يومٌ وليلة». انتهى.
          قال في «المصابيح»: ويشبه اختلافهم في أنَّ يوم الجائزة وليلتها داخلان(2) في أيام الضِّيافة الثَّلاثة أو خارجان عنها، ما وقعَ لهم من التَّردُّد في قولهِ صلعم : «مَن شهدَ الجنازةَ حتَّى يصلِّي عليها فلهُ قيراطٌ، ومن شهدهَا حتَّى تُدفن فله قيراطان...» الحديث، [خ¦1325] وفي لفظ: «من صلَّى على جنازةٍ فله قيراطٌ، ومن اتَّبعها حتى توضعَ في القبرِ فله قيراطان» فلو اتَّبعها حتَّى توضع في القبر ولكن لم يصلِّ عليها احتملَ أن لا يحصلَ له شيءٌ من القيراطين؛ إذ يحتملُ أن يكون القيراطُ الثَّاني المزيد مرتَّبًا على وجود الصَّلاة قبله، ويحتملُ أن يحصل له القيراط المزيد، وأمَّا احتمال أنَّ القيراطين يحصلان بالاتِّباع حتَّى توضعَ في القبر، وإن لم يصلِّ فهو هنا بعيد(3)، وأمَّا احتمال أنَّ من صلَّى واتَّبع حتَّى تدفن يحصل له ثلاثةُ قراريط، فمرتَّبٌ على هذا الاحتمال. ونقل القاضِي تاج الدِّين السُّبكيُّ(4) أنَّ الشَّيخ أبا الحسن بن(5) القزوينيَّ، سأل أبا نصر بن الصَّبَّاغ عن هذا؟ فقال: لا يحصل لمن صلَّى واتَّبع إلَّا قيراطان(6)، واستدلَّ(7) بقولهِ تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}[فصلت:9_10] قال: فاليومان من جملةِ الأربعة بلا شكٍّ. انتهى.
          وعند مسلمٍ في رواية عبدِ الحميد بن جعفر، عن سعيدِ المقبريِّ، عن أبي شريح: «الضِّيافة ثلاثةُ أيامٍ وجائزتُه يومٌ وليلة». وهو يدلُّ على المغايرةِ (فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ) ممَّا يحضرُه‼ له بعد ثلاثةِ أيَّام(8) (فَهْوَ صَدَقَةٌ) استدلَّ به على أنَّ الَّذي قبلها واجبٌ؛ لأنَّ المرادَ بتسميتهِ صدقةٌ التَّنفير(9) عنه؛ لأنَّ كثيرًا(10) من النَّاس خصوصًا الأغنياء يأنفون غالبًا من أكل الصَّدقة، واستدلَّ ابنُ بطَّال لعدم الوجوب بقولهِ: «جائزته» والجائزةُ تفضُّلٌ وإحسانٌ ليست واجبة وعليه عامَّةُ الفقهاء، وتأوَّلوا الأحاديثَ أنَّها كانت في أوَّلِ الإسلامِ إذ كانت المواساةُ واجبةً (وَلَا يَحِلُّ لَهُ) أي: للضَّيف (أَنْ يَثْوِيَ) بفتح التحتية وسكون المثلثة وكسر الواو، أنْ يقيمَ (عِنْدَهُ) عند من أضافهُ (حَتَّى يُحْرِجَهُ) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وبعد الراء المكسورة جيم، من الحرجِ، وهو الضِّيق، ولمُسلم: «حتَّى يؤثِّمه» أي: يوقعهُ في الإثم لأنَّه قد يغتابه لطولِ إقامته، أو يعرضُ له بما يؤذيهِ، أو يظنُّ به ظنًّا سيِّئًا، ويستفاد من قولهِ: «حتى(11) يحرِجه» أنَّه إذا ارتفع الحرجُ جازتِ الإقامة بعد بأن يختارَ المضيف إقامةَ الضَّيف، أو يغلبَ على ظنِّ الضَّيف أنَّ المضيفَ لا يكره ذلك.
          والحديثُ سبق في «باب مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ فلا يؤذِ جارهُ» من «كتاب الأدب» [خ¦6019].
          وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بنُ أبي أويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام بسنده السَّابق (مِثْلَهُ) أي: مثل الحديث السَّابق (وَزَادَ) أي: ابنُ أبي أويسٍ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) إيمانًا كاملًا (فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) بضم الميم، من باب نَصَر يَنْصُر، أو بكسرها من باب ضَرَب يَضْرِبُ، أي: ليسكت.


[1] في (د): «إتحافه».
[2] في (ل): «داخلتان».
[3] في (ع): «تعبد».
[4] قوله: «السبكي»: ليس في (س)، ولا في (ج)، وكتب على هامش (ج): «السُّبكيُّ» وقد سأل الشيخ.
[5] قوله: «أن الشيخ أبا الحسن بن»: ليس في (ع)، وقوله: «ابن»: ليس في (د).
[6] زيد في (ص) وهامش (ج) و(ل): فقال له ابن القزوينيِّ: جيِّد بالغ، وطُولِبَ ابنُ الصَّبَّاغ بالدَّليل.
[7] في (د): «وأنه استدل له».
[8] في (ع) و(د): «الضيافة».
[9] في (ص): «التنفر».
[10] في (ع) و(د): «الكثير».
[11] قوله: «حتى»: ليس في (د).