إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة

          6131- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ) محمَّد، أنَّه (حَدَّثَهُ) أي: أنَّ ابنَ المنكدرِ حدَّث سفيانَ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) ولغير أبي ذرٍّ: ”عن ابنِ المنكدرِ حدَّثه عروة بن الزُّبير“ (أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ) في الدُّخول (عَلَى النَّبِيِّ صلعم ) بيتهُ (رَجُلٌ) هو عُيينة بن حصن بنِ حذيفة بنِ بدرٍ الفزاريُّ، وكان يقال له: الأحمقُ المُطاع، أو هو مخرمةُ بن نوفل (فَقَالَ) صلعم : (ائْذَنُوا لَهُ) في الدُّخول (فَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ _أَوْ بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ_) بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة فيهما، والشَّكُّ‼ من الرَّاوي، والعشيرةُ الجماعةُ، أو القبيلة، أو الأدنى إلى الرَّجل من أهلهِ وهم ولدُ أبيه وجدِّه (فَلَمَّا دَخَلَ) الرَّجل (أَلَانَ) صلعم ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لانَ“ (لَهُ الكَلَامَ) ولأبي ذرٍّ: ”في الكلامِ“. قالت عائشة: (فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ) في هذا الرَّجل (ثُمَّ) لمَّا دخل (أَلَنْتَ لَهُ فِي القَوْلِ؟ فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ) أي: يا عائشةُ (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ) يوم القيامة (مَنْ تَرَكَهُ _أَوْ) قال: (وَدَعَهُ_ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) بضم الفاء وسكون الحاء المهملة، وقد كان الرَّجل من جُفاةِ الأعراب، وقوله: ودَعه _بتخفيف الدال_. قال المازريُّ: ذكر بعض النُّحاة: أنَّ العرب أماتوا مصدر يدعُ وماضيه، والنَّبيُّ صلعم أفصحُ العربِ وقد نطقَ بالمصدرِ في قولهِ: «لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعهم الجُمُعات» وبماضيه(1) في هذا الحديثِ، وأجاب القاضِي عياضٌ: بأنَّ المرادَ بقولهم: أماتوا، أي: تركوا استعمالَه إلَّا نادرًا، قال: ولفظ: أماتوا، يدلُّ عليه، ويؤيِّد ذلك، أنَّه لم يُنقلْ في الحديث إلَّا هذين الحديثين مع شكِّ الرَّاوي في حديث البابِ مع كثرةِ استعمالِ تركه، ولم ينقلْ عن أحدٍ من النُّحاة أنَّه لا يجوز. قال في «فتح الباري»: والنُّكتةُ في إيراد هذا الحديث هنا التَّلميحُ إلى ما وقعَ في بعضِ الطُّرق بلفظ المداراةِ، وهو عندَ الحارثِ بن أبي أُسامة من حديث صفوان بنِ عسَّال(2) نحو حديثِ عائشة ♦ وفيه فقال: «إنَّه منافقٌ أُدَاريه عن نفاقهِ، وأخشَى أن يُفسد عليَّ غيره» / . وعند ابن عديٍّ من حديث جابرٍ عن النَّبيِّ صلعم قال: «مداراةُ النَّاس صدقةٌ» وكذا أخرجَه الطَّبرانيُّ في «الأوسط» وفي سندهِ يوسف بن محمَّد بن المنكدر ضعَّفوه. وقال ابنُ عديٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به. وأخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في «آداب الحكماء» بسندٍ أحسن(3) منه.
          وفي حديث أبي هريرة «رأسُ العقلِ بعد الإيمانِ بالله مُدَاراة النَّاس» أخرجه البزَّار بسندٍ ضعيفٍ، لكن قال شيخُنا الحافظ السَّخاويُّ: لفظ رواية البزَّار: «التَّودد إلى النَّاس»، وهو باللَّفظ الَّذي نقلَهُ في «فتح الباري» في روايةٍ مرسلةٍ، وعند العسكريِّ وغيره بل وفي روايةٍ متَّصلةٍ عند البيهقيِّ في «الشعب» وبيَّن أنَّها منكرةٌ.


[1] في (ب): «ماضيه».
[2] في (ع) و(ص) و(د): «غسان».
[3] في (د): «بسند حسن».