إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الحياء لا يأتي إلا بخير

          6117- وبه قال: (حَدَّثَنَا‼ آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ أَبِي السَّوَّارِ) بفتح السين المهملة والواو المشددة بعد الألف راء، حسَّان بن حُرَيثٍ _بضم الحاء المهملة آخره مثلثة_ مصغَّرًا (العَدَوِيِّ(1) قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ) الخُزاعيَّ أبا نُجَيد أسلم مع أبي هريرةَ ☻ (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ) لأنَّه يحجزُ صاحبَهُ عن ارتكابِ المحارم، ولذا كان من الإيمانِ، كما في الحديث الآخر [خ¦6118] لأنَّ الإيمان ينقسمُ إلى ائتمارٍ بما(2) أمرَ الله به، وانتهاءٍ عمَّا نَهى عنه، وعند الطَّبرانيِّ من وجهٍ آخر عن عمرانِ بن حصين: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَّة». فإن قيل: الحياءُ من الغرائزِ فكيف جعلَ من الإيمان. أُجيب بأنَّه قد يكون غريزةً وقد يكون تخلُّقًا، ولكنَّ استعماله على وفقِ الشَّرع يحتاجُ إلى اكتسابٍ وعلمٍ ونيَّةٍ، فهو من الإيمانِ لهذا؛ لكونهِ باعثًا على فعل الطَّاعة وحاجزًا عن المعصيةِ، ولا يقال: رُبَّ حياءٍ يمنعُ عن قولِ الحقِّ أو فعل الخير؛ لأنَّ ذلك ليس شرعيًّا (فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغَّرًا، العَدَويُّ البصريُّ، التَّابعيُّ / الجليل: (مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ) قال في «الكواكب»: هي العلم الَّذي يبحثُ فيه أحوال حقائقِ الموجوداتِ، وقيل: العلم المُتْقَنُ الوافي (إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا) حلمًا ورزانةً (وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً) دعةً وسكونًا، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”السَّكينة“ بزيادة الألف واللام (فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ) وفي رواية أبي قتادة(3) العدويِّ، عن عمران «أنَّ منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضَعْفٌ» وهذه الزِّيادةُ متعيِّنةٌ، ولأجلها غضبَ عمران، كما قاله في «الفتح». وقال في «الكواكب»: إنَّما غضبَ لأنَّ الحجَّة إنَّما هي في سنَّة رسول الله صلعم لا فيما(4) يروى عن كتب الحكمةِ؛ لأنَّه لا يدري ما في حقيقتَها ولا يعرف صدقَها. وقال القرطبيُّ: إنَّما أنكرَ عليه من حيثُ إنَّه ساقه في معرضِ من يُعارض كلام النُّبوَّة بكلام غيره، وقيل: لكونه خاف أن يَخْلِط السُّنَّة بغيرها، وإلَّا فليس في ذكر السَّكينة والوقارِ ما يُنافي كونه خيرًا، وفي رواية أبي قتادة: فغضب عمران حتَّى احمرَّت عيناهُ، وقال: ألا أراني أحدِّثك عن رسولِ الله صلعم وتعارض فيه. قال الحافظ ابن حجرٍ: وقد ذكر مسلمٌ في «مقدِّمة صحيحه» لبُشَير بن كعبٍ هذا قصَّة مع ابن عبَّاس تشعرُ بأنَّه كان يتساهلُ في الأخذِ عن كلِّ من لقيهُ. انتهى.
          قلت: ولفظُ مسلمٍ عن مجاهد قال: جاء بُشَيرٌ العدويُّ إلى ابن عبَّاس فجعل يحدِّث ويقول: قال رسول الله‼ صلعم ، قال رسول الله صلعم (5)، فجعل لا يأذَنُ لحديثهِ ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عبَّاس ما لي لا أراك تسمعُ لحديثِي، أحدِّثك عن رسولِ الله صلعم ولا تسمعُ. فقال ابن عبَّاس: إنَّا كنَّا مرَّةً إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسولُ الله صلعم ابتدرتهُ أبصارُنا وأصغينَا إليه بآذاننَا، فلما ركب النَّاسُ الصَّعب(6) والذَّلول لم نأخذْ من النَّاس إلَّا ما نعرفُ. وقوله: فجعلَ لا يأذَن لحديثه _بفتح الذال المعجمة_، أي: لا يسمعُ ولا يُصغي. وقولهِ: مرَّة، أي: وقتًا؛ ويعني به قبل ظهور الكذبِ. والصَّعب والذَّلول في الإبلِ، فالصَّعب العسرُ المرغوبُ عنه، والذَّلول السَّهل الطَّيِّب المرغوبُ فيه، أي: سلكَ النَّاس كلَّ مسلكٍ ممَّا(7) يُحمَد ويذمُّ وهيهات، أي: بَعُدت استقامتُكم، أو بَعُدَ أن يُوثق بحديثكُم.


[1] قوله: «العدوي»: ليس في (ع).
[2] في (د) و(ع): «ما».
[3] في (د) و(ع): «عبادة».
[4] في (ع): «ما».
[5] قوله: «قال رسول الله صلعم »: ليس في (س).
[6] في (س) و(د): «الصعبة».
[7] في (ص): «فيما».