إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا

          6026- 6027- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفِريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ أَبِي بُرْدَة) بضم الموحدة وسكون الراء (بُرَيْدِ) بنِ عبد الله (بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) نسبه لجدِّه، واسمُ أبيه عبد الله، وسقط لأبي ذرٍّ «أبي بردة» الأولى (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ) عامر (عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: المُؤْمِنُ) أي بعضُ المؤمن (لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ) فالألف واللَّام في المؤمن للجنسِ (يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) بيانٌ لوجه التَّشبيه، كقولهِ: (ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أي شدًّا مثل هذا الشَّدِّ.
          (وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ _أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ_) بالإضافة، ولأبي ذرٍّ: ”أو طالبٌ“ بالتَّنوين ”حاجةً“ نصب مفعولٍ، والشَّكُّ من الرَّاوي، وإذ بسكون الذال المعجمة في الفرع وفيه وفي «اليونينيَّة» بغير رقمٍ: ”إذا“ بألف، وقال في «الفتح»: كذا _أي: بالألف_ في النُّسخ من رواية محمَّد الفِريابيِّ، عن سفيانَ / الثَّوريِّ، وفي تركيبهِ قلقٌ ولعلَّه كان الأصل كانَ إذا كانَ جالسًا إذا جاءهُ(1) رجلٌ، فحذف اختصارًا، أو سقط من الرَّاوي لفظ إذا كان(2)، على أنَّني تتبَّعت ألفاظ الحديث من الطُّرق فلم أره في شيءٍ منها بلفظ جالسًا. وتعقَّبه العينيُّ بأنَّه لا قلق في التَّركيب أصلًا، قال(3): وآفَة هذا من(4) ظنَّ أنَّ جالسًا خبرُ كان وليس كذلك، وإنَّما خبرُ كان قوله: أقبلَ علينا، وجالسًا حال. وعند أبي نُعيم من رواية إسحاقِ بن زُريق عن الفِريابيِّ: كان رسولُ الله صلعم إذا جاءهُ السَّائل(5)، أو طالب الحاجة (أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ) الشَّريف (فَقَالَ: اشْفَعُوا) في قضاء حاجةِ السَّائل أو الطَّالب (فَلْتُؤْجَرُوا) بسكون اللام في الفرع. وقال في «الكواكب»: الفاء للسَّببيَّة الَّتي يُنْصَبُ بعدها الفعل المضارع، واللَّام بالكسر بمعنى كي، وجاز اجتماعهما لأنَّهما لأمرٍ واحدٍ، أو هي زائدةٌ على مذهبِ الأخفشِ كزيادتهَا في قولهِ: «قوموا فلأصلِّي لكم» [خ¦380] أي: اشفعُوا كي تؤجروا، ويحتملُ أن تكونَ اللَّام لام الأمر والمأمور به التَّعرُّض للأجرِ بالشَّفاعة، فكأنَّه قال: اشفعوا تتعرَّضوا بذلك للأجرِ، وتكسر هذه اللَّام على أصل لامِ الأمر، ويجوزُ تسكينها تخفيفًا لأجلِ الحركة الَّتي قبلها(6)‼، ولكريمة _ممَّا في «الفتح»_: ”تؤجروا“ والجزم بحذف النون على جواب الأمر المتضمِّن معنى الشَّرط وهو واضحٌ، وللنَّسائيِّ: «اشفعوا تشفَّعوا» (وَلْيَقْضِ اللهُ) بسكون اللام في الفرع، قال في «الفتح»: كذا في هذه الرِّواية باللام. وقال القرطبيُّ: لا يصحُّ أن تكون لام الأمر لأنَّ اللهَ لا يُؤمر، ولا لام كي؛ لأنَّه ثبت في الرِّواية بغير ياء، ويحتملُ أن تكون بمعنى الدُّعاء، أي: اللَّهم اقضِ، أو الأمر هنا بمعنى الخبر أي: إن عرض المحتاجُ حاجةً عليَّ فاشفعوا له إليَّ، فإنَّكم إذا شفعتُم حصلَ لكم الأجرُ سواء قبلتُ شفاعتكم أو لا، ويجرِي الله (عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ(7)) من موجباتِ قضاء الحاجةِ أو عدمها.
          والحديث أخرجه النَّسائيُّ.


[1] في (د): «جاء»، كذا في «الفتح».
[2] قوله: «كان»: ليس في (د).
[3] قوله: «قال»: ليس في (ص).
[4] في (ب) و(ل): «ممَّن».
[5] قوله: «السائل»: ليس في (د).
[6] في (د) زيادة: «على مذهب الأخفش».
[7] في (ب): «يشاء».