إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره

          6019- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ الكلاعيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بنُ سعدٍ الإمام‼ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) بضم المعجمة وفتح الراء آخره مهملة، خويلد (العَدَوِيِّ) الخُزاعيِّ الكعبيِّ الصَّحابيِّ ☺ (قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلعم ) وفائدة قولهِ: سمعت وأبصرتْ التَّوكيد (فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) وفي «مسلم» من حديث أبي هريرة: «فليحسِنْ إلى جاره» (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) نصب مفعول ثان ليُكرم(1) لأنَّه في معنى الإعطاءِ أو بنزعِ الخافض، أي: بجائزتهِ، والجائزةُ العطاء (قَالَ(2): وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ(3)): جائزتهُ (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) وجاز وقوع الزَّمان خبرًا عن الجثَّة إمَّا باعتبار أنَّ له حكم الظَّرف، وإمَّا مضاف مقدَّر، أي: زمان جائزتهِ يومٌ وليلة (وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) باليوم الأوَّل أو ثلاثةٌ بعده، والأوَّل أشبهُ. قال الخطَّابيُّ: أي: يتكلَّف له يومًا وليلةً فيُتْحِفُه ويزيدهُ في البرِّ على ما يخصه(4) في سائر الأيَّام، وفي اليومين الأخيرين يقدِّم له ما حضر، فإذا مضت الثَّلاثة فقد قضى حقَّه (فَمَا كَانَ) من البرِّ (وَرَاءَ ذَلِكَ) المذكور من الثَّلاثة (فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) وفي التَّعبير بالصَّدقة تنفيرٌ عنه؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاس يأنفونَ غالبًا من أكلِ الصَّدقة، وفي «مسلم» «الضِّيافة ثلاثةُ أيَّامٍ وجائزتهُ يومٌ وليلة» وهو يدلُّ على المغايرة، أي: قدرَ ما يجوزُ به المسافر ما يكفيهِ يومًا وليلة، أو أنَّ قوله: «وجائزتهُ»، بيانٌ لحالةٍ أخرى، وهو أنَّ المسافر تارةً يُقيم عند من ينزلُ عليه، فهذا لا يزاد على الثَّلاثة، وتارةً لا يُقيم فهذا يُعْطى ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلةً، ومنه حديث: «أجيزوا الوفدَ بنحوِ ما كنتُ أجيزُهم» [خ¦3053] وسيكون لنا عودةٌ إن شاء الله تعالى بعونه(5) وقوَّته إلى بقيَّة مباحث هذا في «باب إكرام الضَّيف».
          (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) بضم الميم، وقال الطُّوفيُّ(6): بكسرها سمعناه، وهو القياس كضَرَب يَضْرِب يعني: أنَّ(7) المرءَ إذا أراد أن يتكلَّم فليتفكَّر قبل كلامهِ، فإن علم أنَّه لا يترتَّب عليه مفسدةٌ، ولا يجرُّ إلى محرمٍ ولا مكروهٍ فليتكلَّم، وإن كان مُبَاحًا فالسَّلامة في السُّكوت؛ لئلَّا يجرَّ المباحُ إلى محرَّمٍ أو مكروهٍ، وقد اشتملَ هذا الحديثُ من الطَّريقين على أمورٍ ثلاثةٍ تجمعُ مكارمَ الأخلاقِ الفعليَّة والقوليَّة، أمَّا الأولان فمن الفعليَّة وأوَّلهما يرجعُ إلى الأمر بالتَّخلِّي عن الرَّذيلة، والثَّاني يرجعُ إلى الأمر بالتَّحلِّي بالفضيلةِ. والحاصلُ: أنَّ مَن كان كاملَ الإيمان(8) فهو متَّصف بالشَّفقة على خلقِ الله قولًا بالخيرِ أو سكوتًا(9) عن الشَّرِّ، أو فعلًا لِمَا ينفع أو تركًا لِمَا يضرُّ.


[1] في (ج) و(ل): «للإكرام».
[2] في (س): «قيل».
[3] في (ب) و(س): «فقال».
[4] في (س) و(ص): «يحضره»، كذا في أعلام الحديث للخطابي.
[5] في (د): «بعون الله».
[6] في (ب): «العوفي».
[7] قوله: «أن»: ليس في (د).
[8] في «الفتح»: «حامل الإيمان» وهو مصدر المصنف.
[9] في (د): «وسكوت».