إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره

          5985- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحزاميُّ المدنيُّ، أحدُ الأعلام قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها نون، الغِفاريُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) معنُ بن محمد بن معنِ بن نَضْلة الغِفاريُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيسان المقبريِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ) بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح السين المهملة (وَأَنْ يُنْسَأَ) بضم أوله وسكون ثانيه آخره همزة، من النَّسَأ، وهو التَّأخير، أي: يؤخَّر (لَهُ فِي أَثَرِهِ) أي: أجلهِ، وسمِّي به؛ لأنَّه يتبَعُ العُمُر، وأصله: مِن أَثَر مَشْيه في الأرضِ، فإنَّ من(1) ماتَ لا يبقَى له حركة فلا يبقى لأقدامهِ في الأرض أثرٌ (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) يقال: وصلَ رحمهُ يصلُها وَصْلًا وصِلَةً، كأنَّه بالإحسان إليهم وصلَ ما بينه وبينهم من علاقةِ القَرَابة. والزِّيادة في العمرِ بالبركةِ فيه بسبب التَّوفيق في الطَّاعات، وعِمَارة أوقاتهِ بما ينفعَه في الآخرةِ، وصيانتِهَا عن الضَّيَاع في غيرِ ذلك، أو المراد: بقاءُ ذكرهِ الجميل بعدَه كالعلمِ النَّافع ينتفعُ به، والصَّدقة الجارية، والولد الصَّالح، فكأنَّه بسببِ ذلك لم يمتْ، ومنه قول الخليلِ ╕ : {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء:84].
          وفي «المعجم الصغير» للطَّبرانيِّ عن أبي الدَّرداء قال: ذُكِر عند رسولِ الله(2) صلعم مَن وصلَ رحمَه أُنْسِئَ له في أجلهِ فقال: «ليس زيادةً في عمرهِ قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} الاية[النحل:61] ولكنَّ الرَّجل يكون له الذُّرِّيَّة الصَّالحةُ يدعون له من بعدِه» أو المراد بالنِّسبة إلى ما يظهرُ للملائكة في اللَّوح المحفوظ أنَّ عمره ستُّون سنة إلَّا أن يصلَ رحمهُ فإنْ وصلَها زيدَ له أربعين سنة(3)، وقد علم الله سبحانه وتعالى بما سيقعُ من ذلك، وهو من معنى(4) قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}[الرعد:39] فبالنِّسبة(5) إلى علمِ الله وما سبقَ به قدرتُه لا زيادةَ بل هي مستحيلةٌ، وبالنِّسبة إلى ما ظهَر للمخلُوقين تُتَصَوَّر الزِّيادةُ وهو مرادُ الحديث. وقال الكلبيُّ والضَّحَّاك في الآية: إنَّ الَّذي يمحوهُ ويثبته ما يصعدُ به الحفظة مكتوبًا على بني آدمَ، فيأمرُ الله فيه أن يثبتَ ما فيه ثواب وعقابٌ، ويُمحى ما لا ثوابَ فيه ولا عقاب، كقولهِ: أكلتُ وشربتُ ودخلتُ ونحوها من الكلام. وهذا بابٌ واسعُ المجال لأنَّ علم الله تعالى لا نفادَ له ومعلوماتُه سبحانه لا نهايةَ لها وكلُّ يومٍ هو في شأنٍ، ومن ثَمَّ كادتْ أقوال المفسِّرين فيه لا تحصرُ. قال الإمام: يزيلُ ما يشاء، ويثبتُ ما يشاء من حكمته(6)، ولا يُطلع على غيبهِ أحدًا، فهو المنفردُ بالحكم والمستقلُّ بالإيجادِ والإعدام‼، والإحياءِ والإماتةِ، والإغناءِ والإفقارِ، وغير ذلك، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظَّالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا.


[1] قوله: «من»: ليس في (ع) و(ص) و(د).
[2] في (د): «ذكر عند النبي».
[3] قوله: «سنة»: ليس في (د).
[4] في (د): «وهو معنى».
[5] في (ص) و(ب): «بالنسبة».
[6] في (ع) و(د): «حكمه».