إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات

          5975- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ) أبو محمَّدٍ الطَّلحيُّ، من ولدِ طلحةَ بن عُبيد الله القرشيِّ التَّيميِّ، وقيل: هو مَولى آل طلحةَ بن عُبيد الله، هو الكوفيُّ الضَّخم، و«سَعْد» بسكون العين، وفي الفرع بكسرها بعدها تحتية، ولعلَّه سبقُ قلمٍ من ناسخهِ إذ ليس في مشايخ المؤلِّف من اسمه سعيد بن حفص بالتَّحتية بعد الكسر. نعم، سعيدُ بن حفص _بالتحتية_ النُّفَيلي _بالنون والفاء، مصغَّرًا_ أبو عَمرو الحرانيُّ يَروي عن زُهير، ومعقل بن عبيد الله، وروى عنه بقيُّ بن مخلدٍ والحسن بن سفيان، وهو صدوقٌ، ولكن(1) اختلطَ في آخر عمره ولم(2) يرو عنه أحدٌ من أصحابِ الكتب السِّتَّة إلَّا النَّسائيُّ فيما أعلمُ، قال: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة فألف فنون، ابن عبد الرَّحمن النَّحويُّ المؤدِّب التَّيميُّ، مَولاهم البصريُّ، أبو معاوية، ولم يرو سعد بنُ حفص في «البخاريِّ» عن غيره (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابنُ المعتمر (عَنِ المُسَيَّبِ) بفتح التحتية المشددة، ابن رافعٍ الكاهليِّ (عَنْ وَرَّاد) بفتح الواو والراء المشددة، كاتبِ المغيرة ومولاه (عَنِ المُغِيرَةِ) وللأَصيليِّ زيادة: ”ابن شعبة“‼ ☺ (عَنِ النَّبيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنَّ اللهَ) ╡ (حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ) بضم العين المهملة، من العقِّ، وهو القطعُ والشَّقُّ، فهو شقُّ عصا الطَّاعة للوالدين، وذكر الأمهات اكتفاءً بذكرهنَّ عن الآباءِ، أو لأنَّ عقوقهنَّ فيه مزيَّةٌ(3) في القبحِ، أو لعجزهنَّ غالبًا (وَمَنْعَ) ما عليكم إعطاؤهُ، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”ومنعًا“ _وفي بعضها بدون ألف(4)_ بالتَّنوين على اللُّغة الرَّبيعيَّة (وَهَاتِ) بكسر آخره، فعل أمرٍ من الإيتاء، والأصل آت، فقلبت الهمزة هاء، أي: وحرَّم عليكم طلبَ ما ليس لكم أخذهُ (وَ) حرَّم عليكم (وَأْدَ البَنَاتِ) بفتح الواو وسكون الهمزة، دفنهنَّ في القبر أحياء لِمَا فيه من قطعِ النَّسل الَّذي هو موجبُ خراب العالم. قيل: وأوَّل من فعل ذلك قيسُ بن عاصمٍ التَّميميُّ (وَكَرِهَ) تعالى (لَكُمْ(5) قِيلَ وَقَالَ) وهو ما يكون / من فضول المجالسِ ممَّا يتحدَّث به فيها، كقيل كذا وكذا ممَّا لا يصحُّ ولا تعلم(6) حقيقتهُ وربَّما جرَّ إلى غيبةٍ أو نميمةٍ، أمَّا من قال ما يصحُّ وعرفَ حقيقتهُ وأسندَه إلى ثقةٍ صدوقٍ ولم(7) يجرَّ إلى منهيٍّ عنه فلا وجه لذمِّه، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”قيلًا وقالًا“ بالتَّنوين فيهما، والأشهرُ عدمه فيهما، وقول الجوهريِّ: إنَّهما اسمان مستدلًّا بأنَّه يقال: كثير(8) القيلِ والقالِ بدخول الألفِ واللَّام عليهما، متعقَّبٌ بقولِ ابنِ دقيق العيد: لو كانا اسمين بمعنى واحدٍ كالقولِ لم يكن لعطف أحدِهما على الآخر فائدةٌ.
          وقال في «التنقيح»: المشهورُ عندَ أهلِ اللُّغة فيهما أنَّهما اسمان مُعربان ويدخلهما الألفُ واللَّام، والمشهورُ في هذا الحديثِ بناؤهما على الفتحِ على أنَّهما فعلان ماضيان، فعلى هذا يكون التَّقدير: ونهى عن قول: قيل وقال، وفيهما ضميرٌ فاعل مُستتر، ولو روي بالتَّنوين لجازَ. قال في «المصابيح»: لا حاجةَ إلى ادعاءِ استتارِ ضميرٍ فيهما، بل هما فعلانِ ماضيان على رأي ابنِ مالكٍ في جوازِ جريان الإسنادِ إلى الكلمةِ في أنواعها الثَّلاثة نحو زيد ثلاثي، وضربَ فعلٌ ماض، ومِن حرف جرٍّ، ولا شكَّ أنَّهما مسندٌ إليهما في التَّقدير؛ إذ المعنى: قيل وقال كرههمَا ╕ ، أو اسمان عند الجمهورِ والفتح على الحكايةِ، وينكرونَ أن يكون غير الاسمِ مسندًا إليه، كما هو مقرّر في محلِّه. انتهى.
          (وَ) كره تعالى لكم (كَثْرَةَ السُّؤَالِ) له صلعم عن المسائل الَّتي لا حاجةَ إليها، كما قال تعالى: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101] أو المراد لا تسألوا في العلمِ سؤالَ امتحانٍ ومِرَاءٍ وجِدَالٍ، أو لا تسألوا عن أحوالِ النَّاس (وَ) كرهَ لكم أيضًا (إِضَاعَةَ المَالِ) بإنفاقهِ في غيرِ ما أذن فيه شرعًا‼ لأنَّ الله تعالى جعلَ المالَ قيامًا لمصالحِ العباد، وفي تبذيرهِ(9) تفويت لذلك، والَّذي صحَّحه النَّووي أن صرفه في الصَّدقة ووجوهِ الخير والمطاعمِ والملابس الَّتي لا تليقُ بحاله ليس بتبذيرٍ؛ لأنَّ المال يتَّخذُ لينتفع به ويلتذَّ(10).
          وهذا الحديث سبقَ في «باب قولهِ تعالى: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة:273]» من «كتاب الزَّكاة» [خ¦1477] وفي «الاستقراض» [خ¦2408] أيضًا.


[1] في (د): «لكن».
[2] في (س): «لم».
[3] في (د): «مزيد».
[4] قوله: «وفي بعضها بدون ألف»: ليس في (ع) و(د).
[5] في (د): «وكره لكم تعالى».
[6] في (د): «يعلم».
[7] في (ع) و(د): «ولا».
[8] في (د): «كثيرًا».
[9] في (ص) و(ع): «تبذيرها».
[10] في (د): «ويستلذ».