إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أي العمل أحب إلى الله؟

          5970- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشامُ بن عبدِ الملك الطَّيالسيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج الحافظُ(1)، أبو بسطام(2) العتكيُّ (قَالَ الوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ) وللأَصيليِّ: ”العَيْزَار“(3) بفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الزاي وبعد الألف راء، ابن حريثٍ العبديُّ‼ (أَخْبَرَنِي) بالإفراد، وهو من تقديم اسم الرَّاوي على الصِّيغة وهو جائزٌ، وكان شعبة يستعملُه كثيرًا، وليس في نسخة الفرع لفظ «أخبرني» وهو ثابتٌ(4) في أصله (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو) بفتح العين، سعد بن إياسٍ (الشَّيْبَانِيَّ) بفتح المعجمة بعدها تحتية ساكنة فموحدة فألف فنون فياء نسبة (يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ _وَأَوْمَأَ) بهمز في «اليونينية»(5) أي: أشار (بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ_) بن مسعودٍ ☺ (قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ╡؟) مبتدأ وخبر، والموضع معمولُ القول مقدَّرًا، أي: فقلت: أيُّ العمل، وأحبُّ أفعلُ تفضيل (قَالَ) صلعم : (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ) عبدُ الله: ثمَّ قلت: يا رسول الله (ثُمَّ أَيُّ؟) ولم يضبطْ في الفرع كأصله(6) الياء، وكتب فوقَها في الفرع(7): كذا. قال الفاكهانيُّ: الصَّواب عدمُ تنوينه؛ لأنَّه موقوفٌ عليه في الكلامِ والسَّائل ينتظرُ الجواب، والتَّنوين لا يُوقف عليه إجماعًا، فتنوينُه ووصلُه بما بعدَه خطأٌ فيوقفُ عليه وقفةً لطيفةً، ثمَّ يُؤتى بما بعدَه (قَالَ) صلعم : (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ) بالإحسانِ إليهما وفعلِ الجميلِ معهمَا وفعلِ ما يَسرُّهما، ويدخلُ فيه الإحسان إلى صديقِهما كما في «الصحيحين»(8) وقال سفيانُ بن عُيينة في قولهِ تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}[لقمان:14]: من صلَّى الصَّلوات الخمس فقد شكرَ الله، ومن دعا لوالديهِ عقبَ الصَّلوات فقد شكرَ لهما. وسقطَ قوله: «ثمَّ» لأبي ذرٍّ. (قَالَ) عبد الله: قلتُ: (ثُمَّ(9) أَيُّ؟ قَالَ) صلعم : (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) ╡ (قَالَ) عبدُ الله: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (بِهِنَّ) صلعم جملةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، وفيه تقريرٌ وتأكيدٌ لِمَا سبقَ، وأنَّه باشرَ السُّؤال وسمعَ(10) الجواب (وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ) من هذا النَّوع وهو أفضلُ مراتب الأعمال، أو من مطلقِ المسائل المحتاجِ إليها (لَزَادَنِي) ووقعَ في «باب الإيمان» أوَّل الكتاب [خ¦12]: أنَّ إطعام الطَّعام خيرُ الأعمال. واستُشكل مع قولهِ هنا: «الصَّلاةُ على وقتِها».
          وأُجيب بأنَّ الجواب اختلف باختلافِ أحوال السَّائلين، فأعلم كلَّ قومٍ بما يحتاجونَ إليه، أو بما لهم فيهِ رغبةٌ، أو بما هو لائقٌ بهمْ، أو كان الاختلافُ باختلافِ الأوقاتِ بأن يكون العملُ في ذلك الوقتِ أفضل منه في غيرهِ، فقد كان الجهادُ في ابتداءِ الإسلامِ أفضلَ الأعمال لأنَّه(11) وسيلةٌ إلى القيامِ بها والتمكُّن من أدائهَا، وقد تظافرتِ النُّصوص على أنَّ الصَّلاة أفضلُ من الصَّدقة، ومع ذلك ففِي وقت مُواساة المضطرِّ تكون الصَّدقة أفضلَ، أو أنَّ أفضلَ ليست على بابها، بل المرادُ بها الفضلُ‼ المطلقُ، فالمرادُ من أفضلِ الأعمالِ، فحُذِفتْ من وهي مُرَادة، والمرادُ الأعمال البدنيَّة فلا تعارضَ بين ذلك وبين حديثِ أبي هُريرة «أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ بالله» [خ¦26].
          وهذا الحديث سبق في «الصَّلاة» [خ¦527].


[1] «الحافظ»: ليست في (ص).
[2] في (ع) و(د): «البسطامي».
[3] «وللأَصيلي العيزار»: ليست في (د) و(ع) وإنما جاء عندهما في نهاية الفقرة: «ولبعضهم العيزار بألف ولام في أوله».
[4] في (د): «وهي ثابتة».
[5] في (د) و(ع): «بغير همز».
[6] قوله: «كأصله»: ليس في (د) و(ع).
[7] قوله: «في الفرع»: ليس في (د) و(ع).
[8] أخرجه مسلم (2052) والبخاري خارج الصحيح في الأدب المفرد (48).
[9] في (د): «ثمَّ قلتُ».
[10] في (ص): «سمع السؤال وباشر».
[11] في (ب) و(ص) و(ل): «لأنَّها».