إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: المدينة حرم من عير إلى كذا

          7300- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصٌ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ) بن يزيد (التَّيْمِيُّ) العابد قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) يزيد بن شريكٍ (قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ) هو ابن أبي طالب ( ☺ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ) بمدِّ الهمزة وضمِّ الجيم وتشديد الرَّاء، هو الطُّوب المشويُّ (وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ(1) كِتَابٍ يُقْرَأُ) بضمِّ الياء مبنيًّا للمفعول (إِلَّا كِتَابُ اللهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا) أي: فتحها فقُرِئت (فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ) أي: إبل الدِّيات، واختلافها في العمد والخطأ وشبه العمد (وَإِذَا فِيهَا: المَدِينَةُ حَرَمٌ(2)) أي: مُحرَّمةٌ (مِنْ عَيْرٍ) بفتح العين المهملة بعدها تحتيَّةٌ ساكنةٌ فراءٌ: جبلٌ بالمدينة (إِلَى كَذَا) في «مسلمٍ» «إلى ثور» وهو جبلٌ معروفٌ (فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا) من ابتدع بدعةً أو ظلمًا (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) والمراد باللَّعنة هنا: البعد عن(3) الجنَّة أوَّل الأمر (لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا) فرضًا (وَلَا عَدْلًا) نافلةً، أو بالعكس، أو التَّوبة والفدية، أو غير ذلك مما سبق في حَرَم المدينة من آخر «كتاب الحج» [خ¦1867] (وَإِذَا فِيهِ) في المكتوب في الصَّحيفة: (ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ) أي: أمانُهم صحيحٌ، فإذا أمَّنَ الكافرَ واحدٌ منهم حَرُم على غيره التَّعرُّض له، وقال البيضاويُّ: الذِّمَّة: العهد، سمِّي بها؛ لأنَّها يُذَمُّ متعاطيها على إضاعتها (يَسْعَى بِهَا) أي: يتولَّاها (أَدْنَاهُمْ) من المرأة والعبد ونحوهما (فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا) بالخاء المعجمة والفاء: نقض عهده (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَإِذَا فِيهَا) في الصَّحيفة: (مَنْ وَالَى قَوْمًا) اتَّخذهم أولياء (بِغَيْرِ إِذْنِ / مَوَالِيهِ) ليس لتقييد الحكم، بل هو إيراد الكلام على ما هو الغالب (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) ولأحمد وأبي داود والنَّسائيِّ من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عبادة قال: «انطلقت أنا والأشتر إلى عليٍّ فقلنا: هل عَهِد إليك رسول الله صلعم شيئًا لم يعهده إلى النَّاس عامَّة؟ قال: لا، إلَّا ما كان في كتابي هذا، قال: وكتابه في قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم...» الحديث، ولمسلمٍ من طريق أبي الطُّفيل‼: «كنت عند عليٍّ، فأتاه رجلٌ فقال له(4): ما كان النَّبيُّ صلعم يسرُّ إليك؟ فغضب، ثمَّ قال: ما كان يُسرُّ إليَّ شيئًا يكتمه عن النَّاس، غير أنَّه حدَّثني بكلماتٍ أربع، وفي روايةٍ له(5): ما خصَّنا بشيءٍ لم يعمَّ به النَّاس كافَّةً إلَّا ما كان(6) في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفةً مكتوبًا فيها: لعن الله من ذَبَح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثًا»، وفي «كتاب العلم» [خ¦111] من طريق أبي جحيفة: «قلت لعليٍّ: هل(7) عندكم كتابٌ؟ قال: لا إلَّا كتاب الله، أو فهمٌ أُعطيه رجلٌ مسلمٌ، أو ما في هذه الصَّحيفة، قال: قلت: وما في هذه الصَّحيفة؟ قال: العقل و♣فَـِكاك الأسير ولا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ»، والجمع بين هذه الأخبار أنَّ الصَّحيفة المذكورة كانت مشتملةً على مجموع ما ذكر، فنقل كلُّ راوٍ بعضها، قاله في «الفتح» وقال: والغرض بإيراد الحديث _يعني حديث الباب هنا_: لعن من أحدث حدثًا، فإنَّه وإن قُيِّد في الخبر بـ «المدينة» فالحكم عامٌّ فيها وفي غيرها إذا كان من متعلَّقات الدِّين، وقال الكِرمانيُّ في(8) مناسبة حديث عليٍّ للتَّرجمة: لعلَّه استفاد من قول عليٍّ ☺ تبكيت من تنطَّع في الكلام، وجاء بغير ما في الكتاب والسُّنَّة، قال العينيُّ: والذي قاله الكِرمانيُّ هو المناسب لألفاظ التَّرجمة، والذي قاله بعضهم _يعني الحافظ ابن حجرٍ_ بعيدٌ من ذلك، يُعرَف بالتأمُّل.


[1] «من»: ليس في (ص).
[2] في (ع): «حرام».
[3] في (ع): «من».
[4] «له»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[5] «له»: ليس في (د).
[6] «ما كان»: مثبتٌ من (د) و(س).
[7] في (ع): «كم».
[8] «في»: ليس في (ص) و(ع).